موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٦ مارس / آذار ٢٠٢٠

الأحد الأول من الصوم (أحد الأرثوذكسية)

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن
أحد الأورثوذكسية: إنه نصر ضد الذين حاربوا الأيقونات، وفي مجمع نيقية المسكوني تقرر ارجاعهم واحترامهم وليس عبادتهم، كون العبادة لله فقط

أحد الأورثوذكسية: إنه نصر ضد الذين حاربوا الأيقونات، وفي مجمع نيقية المسكوني تقرر ارجاعهم واحترامهم وليس عبادتهم، كون العبادة لله فقط

 

فصل شريف من بشارة القديس يوحنا

(يوحنا 1: 43–51)

 

في ذلك الزمان اراد يسوع الخروج الى الجليل فوجد فيلبُّسَ فقال لهُ أتبعني * وكان فيلبُّس من بيتَ صيدا من مدينة اندراوسَ وبطرسَ * فوجد فيلبُّس نَثَنائيلَ فقال لهُ انَّ الذي كتبَ عنهُ موسى في الناموس والانبياِء قد وجدناهُ وهو يسوع بن يوسف الذي من الناصرة * فقال لهُ نَثَنائيل أَمِنَ الناصرة يمكن ان يكون شيءٌ صالح * فقال لهُ فيلبُّس تعال وانظر * فرأَى يسوعُ نَثَنائيلَ مقبلاً اليهِ فقال عنهُ هوذا اسرائيليٌّ حقًّا لا غِشَّ فيهِ * فقال لهُ نَثَنائيلَ من اينَ تعرفني. اجاب يسوع وقال لهُ قبل ان يدعوَك فيلبُّس وانت تحت التينة رأَيتك * اجاب نَثَنائيل وقال لهُ يا معلم انت ابن الله انتَ ملكَ اسرائيل * اجاب يسوع وقال لهُ لانّي قلت لك انّي رأَيتك تحت التينة آمنت. انَّك ستُعاين اعظَمَ من هذا * وقال لهُ الحقَّ الحقَّ اقول لكم إنـكم منَ الآنَ ترونَ السماء مفتوحةً وملائكة الله يصعدون وينزِلون على ابن البشر.

 

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين

 

هذا الأحد الأوَّل من زمن الصيام الكبير، تضع الكنيسة ذكرى الأيقونات أو انتصار الارثوذكسيَّة والتعليم القويم على كل ضلالة، إي الإيمان الذي لا غِشَّ فيه. وقد تأسَّس هذا العيد سنة 842 بعد تثبيت عقائد المجمع المسكونيّ السابع الذي عقد في نيقية سنة 787.

 

أيها الأحباء: لكل أحد من آحاد الصوم موضوعان معينان، وكل منهم له هدف معين تعلنه لغة الصوم الروحية خلال التقدم الروحي التاريخي للكنيسة، طور كل واحد من هذه الآحاد موضوعًا خاصًا به: في الأحد الأول تعيّد الكنيسة لنصر الأيقونات ويعرف بأحد الأورثوذكسية. إنه نصر ضد الذين حاربوا الأيقونات. وفي المجمع المسكوني السابع نيقية سنة 843 تقرر ارجاعهم واحترامهم وليس عبادتهم، اذ أن العبادة لله فقط.

 

والنصوص التي قرأت أو رتلت خلال هذا الأحد تشدد على أساسية التجسد. ان مجيء يسوع المسيح  بالجسد هو أساس احترام الأيقونات. وتجسد المسيح هو الأيقونة الاساسية والنموذج لكل الأيقونات.

 

في المقطع الإنجيلي لهذا اليوم لا يتكلم عن الأيقونات وتكريمها في الكنيسة بل يتكلم عن ارتداد ناثنائيل. يترك المسيح جنوب فلسطين متوجها الى شرقها (الجليل). هناك وجد ودعى فيليب، وفيليب مثل اندراوس، لم يتمكن من الاحتفاظ بالخبر السار لنفسه ذهب ووجد ناثنائيل. قال له: "لقد وجدت المنتظر، يسوع الماسيا، وهو من الناصرة". لم يقتنع ناثنائيل بهذا القول لأنه كان يؤمن بأنه لا يمكن أن يأتي الماسيا من تلك المدينة الصغيرة والمهملة, ثم انه لم يذكر في العهد القديم بأنه سيأتي الماسيا من الناصرة. لم يشأ فيليب أن يتنازع معه فقال له "تعال وانظر". لم يرتد يوما شخص واحد الى الايمان نتيجة الجدل. الوسيلة الوحيدة لاقناع الآخر بسموّ تعليم  يسوع المسيح هو في مواجهته يسوع المسيح.

 

لنتأمل سويًّا اليوم في هذا الأحد المبارك بكلمات البشير يوحنا: “لا غِشَّ فيهِ”.

 

في العهد القديم، تسأل الله على لسان النبي إرميا، هل يوجد بعد بين المؤمنين شخص لا غش فيه، لكي تُنْقَذ المدينة المقدسة، بسبب برارته وإيمانه؟ قال: “طُوفُوا فِي شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ وَانْظُرُوا وَاعْرِفُوا وَفَتِّشُوا فِي سَاحَاتِهَا. هَلْ تَجِدُونَ إِنْسَاناً أَوْ يُوجَدُ عَامِلٌ بِالْعَدْلِ طَالِبُ الْحَقِّ فَأَصْفَحَ عَنْهَا؟” (إرميا 5 : 1). والنبي حزقيال نقل هو أيضًا عن الله: أين هو هذا الرجل الصالح المميَّز لكي يقف بينه وبين شعبه لكي لا يخرّب المدينة؟ قال: “وَطَلَبْتُ مِنْ بَيْنِهِمْ رَجُلاً يَبْنِي جِدَاراً وَيَقِفُ فِي الثَّغْرِ أَمَامِي عَنِ الأَرْضِ لِكَيْلاَ أَخْرِبَهَا، فَلَمْ أَجِدْ!” (حزقيال 22 : 30). نعم، إلى هذا الحد يندر وجود الرجل الذي لا غِشَّ فيه في عيني الله!

 

هذا هو معنى هذا الأحد الأول من الصيام الكبير: "أحد الأرثوذكسيَّة". الكنيسة تدعونا وسط هذا العالم، رغم كل المحن التي نتعرّض لها، أن نكون أشخاصًا محافظين على إيماننا الحقيقيّ الصحيح، سالكين بالبر والتقوى، فنكون رجالاً ونساء لا غِشَّ فينا في عيني الرّبّ. مدعوون إلى قبول ضعفنا وحالنا. وأن نكون شجعانًا في المصالحة والمسامحة مع أنفسنا أولاً ومع الآخرين ومع الله. وهكذا نكون أشخاصًا لا غِشَّ فيهم على مثال نثنائيل.

 

تكريم الأيقونات

 

في الأحد الأول من الصوم الكبير المقدس تكرم كنيستنا الرومية المقدسة الجامعة الرسولية الأيقونات، وتخصصه الكنيسة للأحتفال بانتصارها على هرطقة محاربي الأيقونات المقدسة والتي استمرت حوالي مئتي سنة، تم فيها تدمير الكثير من الأيقونات وسحلها في الشوارع ودوسها بالأقدام وإهانتها. الكنيسة الحية بالروح القدس نهضت من جراحها وصرخت في المجمع المسكوني السابع في القرن الثامن الميلادي بأن الأيقونة المقدسة هي نافذتنا على الملكوت السماوي، وأن الإكرام الواجب هو لمن تمثلهم وليس للمادة التي تتكون منها.

 

كُتب الكثير عن الأيقونة ولاهوتها ومعانيها.

 

إن إكرام الأيقونة الحية، التي مادتها هي اللحم والدم، أيقونة المسيح على الأرض. وأعني بذلك أولئك الذين صاروا كواكب تلمع بمجده وتنير الطريق لكل مقبل إليه ومجاهد نحوه. أولئك الذين ماتوا عن ذواتهم وتحولوا إلى مسحاء، الذين اعتمدوا للمسيح فماتوا عن خطاياهم ولبسوا المسيح، الذين نقصوا وتضاءلوا من جهة ذواتهم ليزيد فيهم المسيح ويصلوا إلى ملء قامته. الأيقونات الحية التي ماتت من جهة العالم وتحيا الملكوت على الأرض تحقيقاً لقوله له المجد "ملكوت الله في داخلكم".

 

نرفع الأيقونات المقدسة اليوم في وسط الكنيسة ونطوف بها في زياح مهيب تخليداً لذكرى قيامة الكنيسة من إحدى أهم البدع التي حاولت أن تدمرها. ولكننا في الحقيقة نزيّح نفوسنا ونطوف بأجسادنا التي هي الأيقونة الحقيقية التي يريدها الرب صورة له ومسكناً. "أما تعلمون انكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم؟ إن كان أحد يفسد هيكل الله فسيفسده الله لأن هيكل الله مقدس الذي انتم هو... أم  لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله وانكم لستم لانفسكم" (كورنثوس الأولى 3: 16-17، 6: 19). هذه الأيقونة الحية هي جديرة بكل إكرام واحترام.

 

ليس في أحد الأرثوذكسية فقط بل وفي كل حياتنا. هذه هي الأيقونة يجب أن نحرص على أن لا نشارك الهراطقة في تدميرها وسحلها في الشوارع وإهانتها ودوسها كما فعلوا بأيقونات السيد والسيدة وسائر القديسين الأبرار. لأنه كما يقول القديس بولس "فانكم انتم هيكل الله الحي كما قال الله اني سأسكن فيهم واسير بينهم واكون لهم الها وهم يكونون لي شعباً" (كورنثوس الثانية 6: 16).

 

فهل يمكن لأحد ان يدنس هيكل الله ومسكنه؟ وهل نحرص على الهيكل المصنوع من الحجر والخشب أكثر من حرصنا على الهيكل الذي جبلته وصنعته يدي الإله؟ هل تؤذى هذه الأيقونة الحقيقية من خلال الشهوات الباطلة والرغبات القبيحة، أو الانتحار أو القتل أو إلحاق الضرر والأذى بها؟

 

هذا الإكرام ليس فقط لأيقونتنا، أي لشخصنا فحسب، بل هو لكل شخص خلقه الرب على صورته ومثاله (أيقونة له ناطقة وحية). لأن الله أراد له أن يكون فمن نحن حتى نقوم بإلغائه أو تهميشه أو أذيته فكرياً أو جسدياً أو حتى نفسياً؟ هكذا نحيا محبة القريب كنموذج لمحبتنا لله، ولمحبة الله لنا." بهذا قد عرفنا المحبة ان ذاك وضع نفسه لاجلنا فنحن ينبغي لنا ان نضع نفوسنا لاجل الاخوة (يوحنا الأولى 3: 16).

 

هذا ما يقوله التلميذ الذي كان يسوع يحبه (يوحنا اللاهوتي الحبيب) الذي اتكأ على صدر يسوع في العشاء الأخير من شدة الحزن على كون الرب مزمع ان يغادرهم إلى الآلام. محبته لم تسمح له أن يتصور سيده يتألم، محبة قادته إلى أقدام الصليب ليودع يسوعه ويحتضن الأم الطاهرة المفجوعة بوحيدها حتى رقادها طارحاً كل خوف من الموت والعذاب كما يقول بنفسه "لا خوف في المحبة بل المحبة الكاملة تطرح الخوف الى خارج لان الخوف له عذاب واما من خاف فلم يتكمل في المحبة" (يوحنا الاولى 4: 18).