موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٥ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٠

إن أخطأ إليك أخوك، فاذهب وصالحه

بقلم :
الأب منويل بدر - الأردن
إن أخطأ إليك أخوك، فاذهب وصالحه

إن أخطأ إليك أخوك، فاذهب وصالحه

 

الأحد الثالث والعشرون (متى 18: 15-20)

 

لا تعجبوا إن قلت لكم: لا يوجد عائلة واحدة كاملة مثالية. لا يوجد رعية واحدة كاملة مثالية. لا يوجد مجتمع واحد كامل مثالي. لا يوجد حكومة واحدة كاملة مثالية. لا يوجد شعب واحد كامل مثالي. لا يوجد حاكم واحد كامل مثالي. لا يوجد قارة واحدة كاملة مثالية. لا يوجد  قطعة فردوس كاملة مثاليّة على وحه الأرض. هذا ما كان قد تنبأ به يسوع: سوف تسمعون عن حروب. ستقوم أُمَّةٌ على أُمّة ومملكة على مملكة.  حينئذٍ يعثَر كثيرون وبُسلِّمون بعضهم بعضاً إلى المحاكم ويُبغضون بعضهم بعضاً (متى 24: 6...) "سيُسلِم الأخُ أخاه إلى الموت، والأبُ ولدَه. ويقوم الأولادُ على والدبهم ويقتلونهم، وتكونون مُبغضين من الجميع"(متى 10: 21).

 

إذن ما قلته فوق هو حقيقة، وليس حكماً سلبيّاً شخصيّاً وغيرمؤسس، إذ الكمال والمثالية هي الله ومن الله. أينما درنا بوجهنا، نلاقي الغضب والحقد والمنازعات والمناوشات منتشرة. هذا ما يؤكده لنا إنجيل اليوم. فنحن لا نصادف فقط، أشخاصا هادئين، لا يحبون أن يُضرِّونا بشيء، بل وبالأكثر، أشخاصا، نريد أن نتحاشى ملاقاتَهم على طريق حياتنا. لكن، هذا مستحيل، فهؤلاء هم موجودون في كل مكان، في العائلة، في مكان عملنا، في شارعنا، في الإجتماعات العامة، في النادي الرّياضي، الّذي نحن فيه ونتردَّدُ إليه. وهذا شيء مؤلم ومحزن في الوقت نفسه: فهم عنصرُ إزعاج لنا في ذهابنا وإيابنا

 

Diogenus (323-412) هو فيلسوف يوناني معروف. سُؤِل مرةً: ما هي أحسن طريقة، للإنتقام من العدوّ؟ فأجاب: أن تصير أحسن منه. وإذ وقف مرّة رجلٌ غنيٌّ أمامه وأغلق عليه الطريق قائلا: إني لن أتحرّك سنتيمتراً واحداً من هنا. فأجابه ديوجينوس: أما أنا فأتحرك. وأدار ظهره للذي أغلق عليه الطّريق، وسار في اتجاهٍ آخر.

 

في العهد القديم كان رؤساء الكهنة إلى جانب العشر وصايا قد أضافوا 614 وصية أخرى تُوازي أهمِّيتُها، أهميّةَ العشر وصايا، وذلك حتى يُعزِّزوا سلطتهم على الشعب، ويمنعوا تمرّد الناس بتخويفهم لئلا يثوروا عليهم. هذا وكان لكلِّ مخالفةِ وصيّة، قصاص معروف، كالتّجارة: هذه البضاعة تسوى كذا وأدفع عنها كذا. فلا مِن رحمة ولا مِن تسامح. وهذا لا يعني فقط العينُ بالعين والسّنُّ بالسّن، بل بأضعاف الأضعاف. لكن لمّا جاء بولس، أبطلها كلّها إذ قال: كل الوصايا آنية فارغة، تنتظر أن نملأها. لكن بماذا نملأُها؟ هو نفسه يُجيب: بالمحبّة. إذ المحبّة هي ملءُ النّاموس. فمن مارس أعمال [BM1] الرّحمة والمحبّة، لا يحتاج لا إلى عشر وصايا ولا إلى 614 وصية إضافية، عملا بقول القديس أغسطينوس: أحبب واعمل كل ما تريد.

 

كل شيء جديد، هو محبوب وجذّاب. فمثلا معلم جديد في المدرسة أو خوري جديد في الرّعية، لهم حبُّهم واحترامُهم في محيط عملهم، والجميع يُنْصِتُ لهم يلهف في البداية. وهكذا كان أيضا مع المُبشِّر الجدبد، يسوع، الّذي كان يجوب السهول واعظا وشافياً لجروح المحتاجين، كما يقول لوقا (4: 31) "وكان يعلّم يوم السّبت، فبُهِتوا من تعليمه، لأنّه كان يعلّم كمن له سلطان".

 

كثيرون قبله، خطبوا في الشعب، كثيرون غيرُه كان لهم تلاميذٌ، لقّنوهم دروسا جيدة. لكن لا خطيبُ ولا معلم ولا واعظ كان عنده أسلوب يسوع في الوعظ والتعليم. ابتداءً بمواضيعه التي كانت من صلب الحياة اليومية، إلى علاقة التّاس ، بعضُهم ببعض. أولا كان يعلِّمهم بأمثال، وبغير أمثال لم يكن يُكلِّمهم. وثانيا القصص، كانت من محيطه واقعيّة مفهومة، وثالثا في آخرها كان دائما عبرةٌ لمن يعتبر. كانت قوّةُ الواعظين من رؤوساء الكهنة والفريسيين تهييج النّاس على بعضهم، بكلمة العين بالعين وأما يسوع، الواعظ الجديد، فأبدلها بكلام اليوم: إن أخطأ أخاك فاذهب وصالحه. يسوع عارف بضعفنا وعارف بأننا نخطئ، وهو كان متفهّماً أيضا لضَعفنا، لذا فبدل أن يقاصصنا كشرطي السير على كلِّ مخالفة، يعطينا نصائح مفيدة، كيف نُصلِح الماضي، بل كيف نتعامل مع بعضنا البعض، وبالأخص مع الّذين أخطأوا بحقنا. مبدئيّاً لا يجوز إعلانُهم فورأعداءَ، ورجمُهم بأكبر حجر. كم مرّةً يجب أن أغفر لمن أخطأ إليّ؟ سأل بطرس، هل إلى سبع مرّات؟ فأجابه يسوع: لا سبع مرّات بل سبعين مرّةً سبع مرات. فإن عرفنا أنّ الرّقم سبعة، هو رقم الكمال في التوراة، فهذا يعني أن نسامِح دائماً إلى ما لا نهاية. نعم على الفرد أن يسامح ويسامح ويسامح ةلا ينتيع للعدد. هذا وقد يفهم البعض هذه العلامة، كعلامة ضعف فينا، وفي ديانتنا؟ بينما هي الشهامة بالذّات.

 

فمن أول جملة في إنجيل اليوم، نسمعها من يسوع، نتعلّم الجديد لحياتنا، إذ هو يقول لنا: إن أخطأ إليك أخوك، فاغفر له بلا حدود. وذلك دون أن يسأل، إذا كان مُحقَّاً او غير مُحقٍّ للتسامح، إذ في الدّيانة، لا يسأل يسوع عن حقّ أو باطل، وإنّما ما يهمّه هو التّصرّف العاقل وإعطاء المثل، حيث يجب على الفرد أن يُضحّي بحقّه، في سبيل واجب محبة العدو، ويكسب هذا العدو: ليس من حبٍّ أعظم من أن يُضحّي الإنسان بحياته عن أحبّائه. فالفرق بين كرازة يسوع وكرازة الفريسيين في زمانه، بل  وأخبار الصُّحف اليومية واضح. يسوع لا يطلب تشريح المُذنب، بل إصلاحَه، فبينما الجرائد والصُّحف، لا يهمُّها أكثر من التقاط خبر إساءة، وتترقّب ذلك، حتى تُلاقي لها منفذا لتكسب قُرّاءً جُدُداً، بسرد خبر ولو كان مجهولَ المصدر، لكنها تلاحقه وتلاحق صاحبه وتنشر عنه ممّا هبّ ودبّ، من أخبارٍ مُجرِّحة، وبالتّالي لا يقدر المشبوه بأمرِه، لا تكذيبها ولا الدّفاع عن نفسه، ممّا يؤدّي به بالتالي إلى فقدان الوظيفة وتشويه سمعته.

 

إنَّ الحقد، بل والإنتقام، غير لائقة بتلاميذ المسيح، الّذي يوصيهِم، بل يُعدِّدُ لهم عدَّةَ طُرق يسلكونها، حتّى يصلوا إلى الصلح مع بل وإصلاح الخاطئ، هي: عدم التشهير به رأساً، بل المقابلة الشّخصيّة والمناقشة بين أربع عيون أوّلاً، للوصول إلى تفاهم معه، هي أهم طريق يجب سلوكه، فإن لم يرتدع، تدخل الطّريقة الثّانية حيِّز وجودها، وهي دور الجماعة في المصالحة، وهي تحمل اليوم عدّة أسماء، منها مجلس الرّعية، أو مجلس الشّورة، أو الرّعيّة بالذّات ممثَلَةً براعيها ومعاونيه. وطبعا دور الجماعة في الشرق مهم. فما يحلُّه القضاة والمحامون اليوم، كانت تقوم به شخصيات الحمولة أو العشيرة، ونادرا ما كانت تفشل، إذ ما كان يشترك فيها إلاّ نخبةُ المتكلِّمين والشُهماء الّذين كان يهمُّهم أن تعود المياه إلى مجاريها بوساطتهم. وهذا فخر ومفخرة، حتى لا تتأزّم الأمور. هذا ويمكن أنَّ يسوع لجأ إلى التوصية بهذه الحلول، من بعد ما عايشها في محيطه، واطّلع على مفعولها. فهذا يدلّ على اطِّلاعه بحياة البشر.

 

وبالنهاية نستنتج، أنه للصلح والمغفرة لا يكفي فقط واسطات بشريّة، ولو كانت مُهمَّة، بل ينقصها عنصرها المهم، ألا وهو تدخل الله في حياتنا، إذ عنصر الصلاة مهمٌّ جدّاً. أما قال المسيح. سمعتم أنه قيل لكم : أحبب قريبك وابغض عدوّك، أمّا أنا فأقول لكم: أحبّوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم وأحسنوا إلى مبغضيكم، لكي تكونوا أبناء أبيكم( متّى 5: 43).

 

هناك معلم رابي قديم سأل تلاميذه: متى تعرفون متى ينتهي الليل ويبدأ النهار؟- أجاب الأول عندما أميّز بين شجرة الزيتون والبلح، ينتهي الليل ويبدأ النهار. لا قال المعلم. قال الثاني: عندما أمّيز بين الخروف والحمار. لا قال المعلم. عندما.... عندما.... وكان جواب الرابي دائما: لا. فقالوا له: إذن قل لنا انت! فقال : عندما تتعرّف في وجه إنسان قدامك، أخاك أو أختك، عندها ينتهي الليل ويبدأ النهار .الأخ والأخت في لغة التّوراة، لا تعني فقط القرابة الدَّمويّة، بل كلّ مخلوق، عن يميني ويساري، أتعامل معه، أوهو يتعامل معي في حياتنا اليومية

 

 حتى القديس اسطفانوس في ساعة رجمه من أعدائه، جثا وصلّى لهم قائلا: يا رب! لا تُقِم عليهم هذه الخطيئة(أعمال 7: 60) فإن الصّلاة هي أمضى سلاحٍ سلميٍّ في أيدينا: كل ما تطلبون باسمي من أبي يُعطيكم إياه، إذ حيث إثنان أو ثلاثة مجتمعين باسمي، فأنا أكون بينهم. وحين تعجز الوساطة البشرية من الوصول إلى نتيجة، يبدأ دور الصّلاة لجوقة المؤمنين. لا، إنّ قلب الله ليس من حجر ولكن من لحم ودم، يسمع لكل مطلبِ خَيْرٍ، نطلبه منه، فهو لن يبخل به علينا: "فإن كنتم أنتم الأشرار  تعرفون أن تُعطوا أولادكم عطايا جيّدة، فكم بالحري أباكم السّماوي (لو 11. 12). فلا يجوز أن نتعب من القول، كم هو دور الصّلاة الجماعية مفيد في قلب الرّعية، خاصة الإشتراك في قداس الأحد الأسبوعي، حيث يتم اللقاء الجماعي أمام الله، مسبّحين له وشاكرين، لنشعر بوجوده وبوجود نعمته بيننا، التي لا  يبخل بها علينا. اللاهوتي الكبير في القرن العشرين كارل راهنر، كتب: ألا نستطيع مرّة أن نقول لله: أنظر ذاك القريب، الذي لا أقدر أن أتفاهم معه، فهو منك ولك، أنت خلقته، وإن لم يكن كما تريد، تركته على حاله، فإن كنت تحتمله أنت يا إلهي، فأنا أيضا أريد أن أحمله وأحتمله، كما أنك تحملني وتحتملني. آمين.


 

صلاة أبـانا الّـذي

 

الحمدُ والتّسبيحُ والشُّكرُ هي أَساساتُ الصَّلاة

فلا يجوز الإبتداء بالطَّلبِ وهذا لا يَرْضاهُ الله

 

عَلِّمْنَا أَنْ نُصلِّـي! طَلَبَ منـكَ التّلاميـذُ يَوْمَا

كَمَا عَلَّمَ يوحنّا تلاميذَهُ والصّلاةُ لِلْعَمَلِ دَعْمَا

 

أحْسَنُ الصَّلواتِ كَلِماتٌ جاءتْ على شَفَتَيْك

يـا مُؤمِنُ مَجِّدَ اللهَ فـيها واتْلِها على رُكْبتيك

 

مِنْ أَحْلَى كَلِمَاتِها أبانا الّتي بها ابْتَدَأْتَ الصّلاه

تَعَلَّمْها يا مُؤْمِنُ غَيْباً وَاتْلِها مِراراً تَلْقى رِضاه

 

بَعْدَ التَّمْجيدِ فِيها لِخالِقِكَ وَرَبِّكَ مُدِيرِ هذا الْكَوْن

يَحِقُّ لَكَ أَنْ تَبْدأَ بِعَرْضِ حاجاتِكَ وَتَأْمَلَ الْعَوْن

 

فيُعْطـيكَ اللهُ خُبزَكَ اليومِـيَّ وَيَغْفِرَ لكَ زلاّتِك

إِنْ أَنْتَ اتّكَلْتَ عَلَيهِ واسْتَغْفَرْتَهُ عَنْ كُلِّ حياتِك

 

الصّلاةُ سِـلاحُ المُجَرَّبِينَ مِـنَ الأَرْواحِ الشِرّيره

صَلِّيْ يُنَجِّيكَ مِنْ قَبْضَتِها بِإِشارَةٍ مِنْ يَدِهِ القديره

 

نِعْمَتُهُ تُحيطُكَ بِسياجٍ مَنيعٍ لا مَدْخَلَ لَهُ لا ولا باب

ألْمِفْتاحُ بِيَدِكَ أَنْتَ فاطْلُبِ الْعَوْنَ مِنْهُ رَبِّ الأرباب

 

وَمَنْ مِنّا لا يَحِنُّ ولا يَصْبو إلى الْهُدؤِ والوئام

أَمَا قالَ اُطْلُبوا وَاقْرَعُوا فَيَحِلَّ النَّصْرُ المُرام