موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٦ ابريل / نيسان ٢٠٢٠

إنه ليس هنا. إنّه قد قام!

بقلم :
الأب منويل بدر - الأردن
إنه ليس هنا. إنّه قد قام!

إنه ليس هنا. إنّه قد قام!

 

عيد الفصح (يوحنا 20: 1-9)

 

إنه ليس هنا. إذهبن وقلن لتلاميذه، إنّه قد قام!

 

ليلة الفصح هي ليلة ليس ككلِّ ليلة، بل هي ليلة الليالي، إذ هي الليلة الوحيدة، التي شهدت أعجوبة العجائب، أي قيامةَ ربنا ومخلصنا يسوع المسيح. فبحق نهنئ بعضَنا بعضا، عاليا وبفخرٍ واعتزاز: المسيح قام! حقاً قام!. هذا هو الخبر، الذي يجمع في هذه الليلة، الملايين من البشر ليعيّدوه بطريقة فريدة، تختلف عن احتفالات كل السنة. نبدأُها بالظلام، رمز العالم القديم، عالم آدم وحواء بعد الخطيئة، عالم ما قبل المسيح المظلم الخاطئ، لنعيش العالم الجديد، الذي يلمع بضؤ نور القيامة، قيامة مخلّصنا يسوع المسيح. فهل بعدُ هذا الخبر، من خبرٍ أكبر، يحمل لنا الفرح والسعادة في هذه الدنيا؟ هي الليلة التي حطّم فيها يسوع المسيح رباط الموت، وصعد ظافراً من القبر. وهذا حادثٌ وحيد في تاريخ كل الدّيانات المعروفة، والّذي يُميِّزها عن باقي الدّيانات. شمعة الفصح أمامنا، التي أضاءت ظلام تلك الليلة، وأضأنا نحن أيضا الشموع في أيدينا منها، ترمز وتعبّر عن هذا الخبر أحسن تعبير. الشّمعة الفصحيّة تحمل عادةً رموزاً معروفة، هي خمس مساميرٍ مغروسةٍ في خمس حبات بخور بلون أحمر، هي رمزٌ لخمسِ جروحات المسيح في يديه ورجايه وقلبه على الصليب، كذلك الصليب من فوقه وتحته الحرفين اليونانيين A والـO أي البداية والنهاية، أي المسيح هو الذي يخبر عن بداية ونهاية العالم. هذا وللتذكير، فإنّ البابا القديس يوحنا بولس الثاني قد عاش مرّة في احتفالات ليلة الفصح في آخر حياته، شمعة فصحيّة كبيرة ضخمة، مُحمّلة بالرّموز: منها صورة له نفسه مادّا يده لمصافحة الشاب الذي أطلق عليه النار، ثم عروسان يمسكان بيد بعضهما بعضا، ثم فقيراً متسولاً، ثمّ مجموعة مرضى وجوعانين على حافة طريق، عليها مجموعة من المارّين، ثم معركة حربيّة، وبالتالي رموز فرح وسلام. وهكذا حَمَلَت الشمعة رموزا للكنيسة، بأن المسيح فيها، هو نور للعالم ومشاكله. وأن نوره يجب أن يصل كل فئآت البشر. وهكذا يحتفل الجميع بعيد قيامة صحيح.

 

في القرن الماضي قامت حفريات موسعة في كنيسة القيامة، فعثر العمال على مغارة تقع بالضبط تحت صخرة الجلجلة وعلى مستوى الثقب الذي كان صليب يسوع مغروسا فيه، كان هناك جمجمتان في قبر قديم. وهنا جاءت الشروحات والتأويلات اللاهوتية والبيبلية(أي تفسيرات التوراة)، وقالت هما جمجمتا رأسي أدم وحوّا، التي فيهما جذور الخطيئة التي  ورثتها البشرية منهما، وهنا سال عليهما دم المسيح الثمين، فطهّرهما وطهّر نسلهما البشري، أي نحن من كل الذنوب التي حلّت بنا. فهذا وإن لم يكن علميا ثابتاً، إلا أن معناه الديني من أجمل ما سمعت وآمنت. أما قال بولس: بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم، وبالخطيئة الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس، إذ أخطأ الجميع، والآن بإنسان واحد دخلت النعمة والخلاص، وهو يسوع المسيح (روم 5: 12).

 

كذلك مشهد أخر في دير القديسة كاترينا في مصر، في بداية الطّلوع إلى قمة جبل سيناء، نشاهد إيقونة في المتحف تحكي لنا قصة القيامة، نرى عليها المسيح القائم من القبر يُمسك بيده أيضا يد أدم، ويقيمه معه إلى الحياة الجديدة. نعم حياة يسوع وصلت كمالها بهذا المشهد: أعني خلاص آدم وكلِّ ذرّيّتِه. إذ كلُّ البشرية كانت كأنها في قارب آدم الضائع، والآن يجلس آدم وذرّيتُه في قارِب يسوع.

 

في نشيد الكنيسة ليلة سبت النور: إفرحي أيتها الليلة المقدسة تُخاطب الكنيسة الليلة قائلة: إفرحي أيتها الليلة، لأنّك استأهلت هكذا مخلصاً.

 

نعم فرح الكنيسة كبير في هذه الليلة على هذا الخبر، لأن النشيد يتابع ونحن قمنا معه للحياة الأبدية. وفي هذا النشيد نكون كلُّنا حاملين الشموع في أيدينا والتي نكون قد أضأناها من  نور الشمعة الفصحية، فنقوم بهدها بتجديد وعد المعمودية، الذي فيه نعلن الإيمان بالقيامة. فهذا هو محتوى هذا العيد، الذي هو أكبر الأعياد الكنسية. ومنه تنبثق وبه ترتبط كل باقي الأعياد.الاُخرى.

 

المسيح قام. فحفرة القبر المُغطاة بحجر كبير على باب القبر، لم يمنعاه من القيامة. إنه ليس هنا. إذهبن وقلن لرسله: إنه قد قام. فمن كلِّ أعياد الكنيسة، يملك هذا العيد أكثر وأكبر البراهين، التي تثثبت حقيقته. هو ابن الله الحي. ولنا في شهادة بولس لقيامة يسوع، أكبر دعم ومرجع، حيث يكتب بقناعة لأهل كورنتوس: إني سلّمتُ إليكم ما أنا قد تسلّمته أيضا، أنَّ المسيح مات من أجل الخطايا، وأنه دُفن وأنه قُبر وأنّه قام في اليوم الثالث، وأنه ظهر(ابتداء ببطرس فالإثني عشر ثم ليعقوب... وآخر الكل. ظهر لي"... ويعدد بعدها جماعات أخرى  ظهر لهم ورأوه حيّاً.... وبالتالي يحذّر: إن كان المسيح يُكرَز به، أنه قام من الأموات فكيف يقول قوم بينكم، أنْ ليس قيامة الأموات. فإن لم تكن قيامة أموات فلا يكون المسيح قد قام. وإن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل أيضا إيمانكم"(1كور 15: 3-14).

 

في عيد قيامة يسوع إذن، يتأصل أملُنا، أننا نحن أيضا سنقوم معه، وهذا أيضا سبب فرحنا بهذا العيد: "المسيح قام من بين الأموات وصار باكورةَ الرّاقدين. فإنّه إذِ الموتُ بإنسانٍ، بإنسانٍ أيضا قيامة الأموات" (20+21). وكم من مرّة صدر هذا الكلام في تبشيربولس وكم من مرّةٍ وَعَدَنا يسوع بذلك؟ إن عيد الفصح هو أكبر عيد يبعث فينا الفرح. فبقدر ما استغربت النسوة من أنَّ حجر القبر الثقيل الكبير، الذي هكَلْنا همّه، وتساءّلْنا فيما بينهن، من سيدحرجه لهن، وجدنه بدون مساعدة يد بشرية، أنّه كان قد تدحرخ عن فتحة االقبر، فقد فرحن بالأكثر، عندما سمعن من فم الملاك: أنتنَّ تطلبن الحيَّ بين الأموات. إنّه قد قام وليس هنا. إذهبن وقلن لتلاميذه، إنّه قد قام!" هذا وقد فرح التّلاميذ أن الرب قد قام. أما قال أيضا تلميذا عمّاوس."ألم يكن قلبنا ملتهباً، إذ كان يُكلّمنا في الطّريق ويوضح لنا الكتب" (لو 24: 32). أحسن شعب يُعبِّر عن فرحته بقيامة يسوع  ليلة عيد الفصح، هو الشعب الرّوسي، إذ بعد الإحتفال بقيامة يسوع يتبادلون كلهم التهنأة وتسيل من عيونهم دموع الفرح: ويتصارخون: ألمسيح قام! حقّا قام! هلليلويا!

 

يا مؤمنون! هذا هو اليوم الذي صنعه الرّب، فلنفرح ولنتهلّل به، هي لازمة تراتيلنا الكنسية في هذه الفترة.

 

يا مؤمنون! هذا هو اليوم الذي انتصرتْ فيه الحياةُ على الموت!

 

هذا هو اليوم الذي يؤكِّد لنا أن يوم الجمعة، يوم الحزن، هو ليس النهاية بل يتبعه يوم الأحد، يومُ الفرح، إذ هو يوم القيامة، قيامة يسوع من الموت.

 

لقد عرف العالم مؤسّسي ديانات وفلاسفة ولاهوتيين ورؤساء حكومات لا تحصى ولا تُعد، كان بينهم عظماء أحدث موتهم فراغا لا يُعوّض. لكن كلُّهم ماتوا وبقوا في القبور، ولم يُذكر في التّاريخ كله أن أحدا منهم قد قام. مؤسِّس ديانتنا يسوع ما كان شواذّاً عنهم في نقطة، أي أنه مات أيضا مثلهم، ميتةً أشنع منهم كلِّهِم، لكنّ يسوع هوالوحيد بينهم، كما بيّنه الوحي، الذي قام من الموت. إنه حي! وهذا ما يُميِّزه عنهم كلِّهم. هذا ولأنه قام فيقول لنا الوحي أيضا إننا سنقوم ونحيا معه إلى الأبد.

 

كلُّ الدّيانات فيها مُشابهات في التعليم، خاصة بما يخص التعليم عن السلام والعدالة والمساواة ومكافحة الفقر والأمراض، كما نعيش اليوم في أزمة الكورونا، فكلُّ الشعوب متماسكة لحماية الحياة، لكن هناك نقطة تختلف فيها الديانة المسيحية عن باقي الدّيانات، لأنه لا ذكر لها في باقي الدّيانات. وهذه النقطة هي محور الإختلاف، كي لا نقول الخلاف الأساسي، هو أن عقيدة قيامة الأموات ما لها شبيه عند غيرها. فقيامة مؤسِّسِها يسوع المسيح، تؤسس معها عقيدة قيامتنا نحن. فلو لم يقم المسيح  لكنا أتعس الناس، يقول بولس. لكن قيامته الأكيدة تجعل منا، نحن أتباعُه، أسعد الناس، لذا فالمسيحيون يعيشون فرحين، حتى في هذه الدنيا، حيث أننا، حتى في مشاكلنا وأحزاننا وآلامنا، وأمرضنا التي نعسشها في هذا الوقت، لا نتكل على مظاهرات واضطرابات وتغييرات شعبية، كما في الربيع العربي، وإنما نتكل عليه هو الحي. ألا يحق لنا إذن أن نفرح؟ لا تخافوا فأنا غلبت العالم.

 

فعيد اليوم هو عيد الفرح الحقيقي. هذا هو اليوم الذي صنعه الرب، فلنفرح ولنتهلّل به. آمين!