موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢١ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٠

إخوتي الصّغار تاج مُلكي

بقلم :
الأب فارس سرياني - الأردن
إخوتي الصّغار تاج مُلكي

إخوتي الصّغار تاج مُلكي

 

الأحد الرّابع والثّلاثون من زمن السنة-أ

 

أَيُّها الإخوةُ والأخوات الأحبّاء في المسيحِ يسوع. نحنُ اليوم في الأحدِ الرّابع والثّلاثين من زمن السّنة، أو ما يُعرف بعيد يسوع المسيح، مَلِكِ الكون وربِّ الكائِنات. هذا العيدُ، الّذي يُشكّلُ نهايةَ سنةٍ ليتورجية كاملة، وجسرًا للعبورِ نحو سنة ليتورجيّة أُخرى جديدة، يُشير إلى أنَّ يسوعَ المسيح: ((هوَ الأمسُ واليوم، البدايةُ والنّهاية، هو الألفُ والياء، له الأزمنةُ والدّهور، لهُ المجدُ والعِزّةُ إلى أبدِ الدّهور)) (مِن ليتورجية سبت النّور). "بِهِ كان كلُّ شيء، وَبِدونِهِ ما كانَ شيء مِمّا كان" (يوحنا 3:1)، "كَيما تجثو لاسمِ يسوع كلُّ ركبة في السّمواتِ وفي الأرضِ وتحتَ الأرض" (فيلبّي 10:2).

 

ويسوع لِكَونِه "ملِكُ الملوكِ وربّ الأرباب" (رؤيا 16:19)، فهذا لا يَعني أنّه ذاكَ الحاكِمُ المتكبّر المستَبِد، أو السّلطانُ المنتفِخُ المُتَعالي، البعيدُ عن شَعبِه وحاجاتِهم، بل هو الملِك القريبُ من خَاصّته، الحاضِرُ دومًا معهم، وَهو الرّاعي الصّالح، الّذي يُعنى بقطيعِه وَغَنمِ مرعاه، ويهتمّ لأمرِهم، ويتألّمُ لِآلامِهم، ويسعى لِنَجاتِهم، ويهبُّ لنجدتِهم، ولَن يَدَعَهم يتامى (يوحنّا 18:14).

 

ويسوعُ بِحكمتِه الأزليّة، وَطَّدَ أركانَ مُلكِه بينَ أَفرادِ شعبِه، عِندَمَا جَعلَ من العناية والاهتمامِ بإخوتِه الصّغار، شرطًا للولاءِ وللانتماء! كيفَ لا، وها نحنُ نَسمَعُه يُخاطِبُنا قائِلًا: "كلّما صنعتم شيئًا مِن ذلِكَ لواحدٍ من إخوتي هؤلاءِ الصّغار، فَلي قد صنعتموه" (متّى 11:25). يسوعُ رَبَط بِرباطٍ لا يَقبلُ الانحلال، وبُعرى لا تنفصِمُ، بينَ مُلكِهِ، بل ومحبّتِه والانتماءِ له، وبين العناية بإخوتِه الصّغار. بل أنَّ أعمالَ الرّحمة الّتي نصنعُها، تُجاه أولئك الإخوة والأخوات بالذّات، هي أعمالُ رحمةٍ نأتيها للمسيحِ نفسه! كيف لا، وهو الّذي سَاوَى بين محبّة الله ومحبّة القريب "فالثّانيةُ مِثلُها" (راجِع متّى 39:22). فلا محبةَ لله تَستَقيم دونَ محبّة القريب، "لأنَّ الّذي لا يُحبُّ أَخَاه وهو يراه، لا يستطيعُ أن يحبَّ الله وهو لا يراه" (1يوحنا 20:4).

 

ونحنُ نعلمُ أنَّ المحبّةَ الّتي يُريدها منّا يسوع الملك، لَيسَت مجرّدَ شِعارات فارِغة نُطلِقُها بينَ الحين والآخر، ولا هي عبارات انتخابية نُردِّدُها دونَ أن نُدرِكَ مَعنَاها بينَ الفينة والأخرى، إنّما هي نهجُ حياة في تعامُلِنا مع بعضِنا البعض، وخصوصًا مع إخوة يسوع وأخواتِه، الأكثر حاجةً وفقرًا وعوزًا. "فلا تَكُنْ مَحبَّتُنا بِالكلام ولا بِاللِّسان، بل بالعَمَلِ والحَقّ" (1يوحنّا 18:3).

 

يسوعُ في عيدِ مُلكِه الميمون، وفي غمرةِ احتفالِنا بتَربُّعِه السّامي على عرش القلوب، يضعُ لنا نحنُ أَحبّته دستورًا أفضل وقاعدة مُثلى لا تَتَبَدّل: "كلّما صنعتم شيئًا مِن ذلِكَ لواحدٍ من إخوتي هؤلاءِ الصّغار، فَلي قد صنعتموه". نعم، فنحنُ في تَبارينا لمحبّة بعضِنا البعض، إنّما نتنافس منافسة شريفة في محبّتِنا لله نفسه.

 

وفي هذه الأيّام الصّعبة والقاسية بشكلٍ كبير، وفي خضمّ هذه الظروف الصّحية والنّفسيّة والاقتصاديّة الاستثنائية والعاصفة للغاية، نحنُ مدعون لأن نُثبت ونبرهِن للمسيح الملك عن عَميق محبّتنا له، وعن مدى انتمائِنا وولائِنا لِعَرشه الإلهي السّامي المقام، من خلال ارتباطِنا الأخوي معًا. دعونا يا أحبّة نَتَبَارى في نجدة ونُصرةِ إخوةِ يسوع الصّغار، في تلبية احتياجاتِ المعوزين والفقراء، والّذين هم في حاجة.

 

كَيفَ لنا أن نُغلِق عيونَنا عَن أولئك الإخوة، وكيف لنا أن نَسدَّ آذاننا عن صراخِ الجَوعَى والعطشى، وكيف لنا أن نُغلِقَ أفئِدتَنا عن أنينِ المرضى والعُراةِ والغرباء، وكلّ المتألّمين والمعذّبين في أجسادِهم وأرواحِهم؟! ثمّ نأتي لِندَّعي حبّ الله زورًا وإفكًا؟! "فمَن كانَت لَهُ خَيراتُ الدُّنْيا، ورأَى بِأَخيهِ حاجَةً، فأَغلَقَ أَحشاءَه دونَ أَخيه، فكَيفَ تُقيمُ فيه مَحبَّةُ الله؟!" (1يوحنّا 17:3).

 

هذهِ أيّام فَتحِ الأعين لا إغلاقِها، أيّامُ فَتح الآذان لا إصمامِها، أيّام فتح القلوبِ لا إيصادِها بمتاريس الاستئثار والاحتكار، وإغلاقِها بسلاسِل الأنانية وقيودِ الفجع والطّمع، الّتي لا تعرف حدًّا ولا غاية! هذه ظروف يَكثُر فيها إخوةُ يسوع الصّغار. هذهِ ظروفٌ صعبة وربّما هي قاسية أكثر على فئات دون فئِات.

 

هَذِهِ ظروف يدعونا فيها المسيح لأن نبحثَ عنهُ في شخص جائع نُشارِكه شيئًا من طَعامِنا، أو عطشان نُقاسِمُه شُربةَ ماء، أو غريب يَبحث عن سقف يَأويه، أو عُريانٍ يسعى لثوب يَكسيه ويحميه بردَ الشّتاء، أو مريض ينتظِرُ من يحنو عليه برأفة ورحمة، أو سجينٍ أَدمَت القيودُ مِعصَميه، ينتظرُ لمسةَ عَطفٍ وحنان. لأنّنا كُلّما صَنَعنَا شيئًا مِن ذلِكَ لواحدٍ من الإخوةِ هؤلاءِ الصّغار، فَللمسيحِ نفسِه قَد صَنعناه. 

 

  اليوم، يومُ تجديد البَيعة، يومُ تجديد المولاةِ والانتماء ليسوعَ المسيح، ملكِ الملوكِ وربِّ الأرباب وسيّدِ السّادة. اليوم نُعلنِ بأجمعنا أن يسوعَ ربٌّ وملك، لهُ الرّئاسةٌ والسّيادة. مُلكُه مُلك عدلٍ ومحبةٍ وسلام، مُلكُ رحمةٍ للناسِ أجمعين، لأنَّه كلّما صنعتم شيئًا من ذلكَ لواحدٍ من إخوتي هؤلاءِ الصّغار، فلي قد صنعتموه.

 

في عيدِ يسوعَ الملك، دعونا نتذكّر رعيةَ الملك وإخوتَه وأخواته وشعب الملك بأسرِه، خصوصًا أولئِكَ الصّغار الّذين هم اليوم في حاجة لنا، الّذين يُقاسونَ ويُعذّبون، أولئكَ الّذين يمرّون بأزمةٍ وشدّة، الّذين أَصَابتهم مُصيبةٌ ومِحنة. هم بحاجة لنا لأنَّه كلّما صنعتم شيئًا من ذلكَ لواحدٍ من إخوتي هؤلاءِ الصّغار، فلي قد صنعتموه.

 

في هذا العيد، دعونا نتذكّر إخوة يسوع الفقراء بالنّفسِ وبالجسد، الجياع، العطاش، المرضى، السّجناء، الغرباء، البؤساء، التّعساء، المحزونين، المكلومين، الفاقدين، التّائهين، الحائرين، المُضطربين، الخاطئين، المهمّشين... لأنّنا كُلّما صَنَعنَا شيئًا مِن ذلِكَ لواحدٍ من الإخوةِ هؤلاءِ الصّغار، فَللمسيحِ نفسِه قَد صَنعناه!