موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٠

أين عقلاء العالم

رمزي الغزوي

رمزي الغزوي

رمزي الغزوي :

 

فات الزميل مذيع قناة الجزيرة في لقائه الخاص مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن يطلق سؤالا بينياً من نوع: كيف كانت ستموت الحرية في الجمهورية الفرنسية، فيما لو منعت إعادة نشر وتداول ونبش تلك الرسوم التافهة الساذجة المسيئة للرسول الكريم، بعدما أشعلت من حرائق كبرى ما زالت تتسع منذ سنوات؟. أما كان للحرية الفرنسية أن تعيش هذا الاستثناء الضروري، دون طرح تلك البذرة المؤلمة؟

 

أعرف أن الجمهورية الفرنسية لا تتدخل في حرية الصحافة، أو المعتقد أو التدين. وأعي أن صحيفة شارلي إبيدو وغيرها لا تنطق بلسان الحكومة، ولا تصدح برأيها. وأعي أن لا اشتراط على حق الفرد في نشر المعلومات والآراء، ولكن الحكمة الناصعة كانت تقتضي أن تتصرف الجمهورية بروح قوانينها، وأن تدرك للحظة فارقة، أن ما تراه حرية رأي قد يمثل إساءة كبرى للآخرين.

 

للأسف لربما أن فرصة ذهبية فاتت الجميع في أن تكون تلك الرسوم البغيضة شرارة حقيقية لانطلاق جدل واسع بالتي هي أحسن بين أطياف دولة تؤمن أنها تتسع لكل الأديان ولكل المعتقدات والأفكار وتؤمن بحرية الضمير. فاتنا جميعا في العالم أن ندلاك أن هذا الجدل كان يمكنه أن يمنع وصولنا إلى ما نحياه اليوم من أزمة واحتقان وسوء فهم وكراهية تتدحرج كرتها الثلجية من فوق جبل الغرور والتعالي الذي يتلبس الجميع.

 

من اطلع على تلك الرسوم يجدها سطحية تافهة، لا تنبئ عن ثقافة واسعة لراسمها، ولا عن معرفة بأخلاق الرسول الكريم، ولا عن اطلاع على سيرة حياته، ولا على دراية بمعنى الدين الإسلامي. وكان يمكن أن يرد عليها بطريقة إعلامية مماثلة توضح صورة النبي الحقيقية، وتعري عقلية راسمها وتسخفه وتجعله يشعر بالعار على تجنيه وضحالته. فهولندا وفرنسا وسائر الدول الأوربية قادرة على تبني مثل هذا الخطاب التوضيحي التصحيحي، لو أرادت بصدق.

 

ولهذا ما زال ثمة من سيستفيد من كل هذا الاحتقان في كل وقت. كأن ينبري شاب عاطل عن العمل من بئية فقيرة في تونس، وينوي على الجريمة، فينتقل من إيطاليا إلى مدينة نيس الفرنسية، ويصر على سماع صوت أمه في الهاتف قبل أن يقتحم كنيسة ليحز ثلاثة رؤوس من ضمنها رأس أم لثلاثة أطفال لن يسمعوا صوتها بعد الآن. هذه صورة ستتكرر مرات ومرات.

 

للأسف يغيب عقلاء العالم عن ميدان المعمعة تاركين لرسام تافه أن يكون حجر عثرة في فهم الناس لبعضهم، ولشاب غر أن ينفذ جريمة نكراء لا يقرها أي دين أوعرف أو خلق. آمل أن تحفز هذه الضائقة هؤلاء العقلاء لصنع لحظة تاريخية في إدارة جدل يثمر حسن فهم وعيشا هانئا فوق هذه البسيطة.

 

(جريدة الدستور الأردنية)