موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٩ مارس / آذار ٢٠١٧

أهمية التوبة والمحبة الأخوية لصوم مقدس

بقلم :
الأب انطونيوس مقار ابراهيم - لبنان

يُسمّى زمن الصوم، الموسمَ المقدَّسَ الذي فيه يلتقي الإنسان ربه بالصلاة والتوبة من جهة ويلتقي أخاه بالمحبة والرحمة، من جهة أخرى. شملت الكنيسة المستنيرة بالرّوح القدس في صيامها الأربعينيّ على مثال موسى النبيّ وإيليّا النبيّ وربِّنا يسوع المسيح، أسبوعَ الآلامِ كي تٌظهر لنا أنّ المسيحَ افتتح زمنَ النعمةِ بالأربعين في حياته اليوميّة من خلال ما قام به كلّه من دعوة الناس الى التوبة وشفائهم من الأمراض والعاهات وأعطاهم النور والمثلَ الصّالح لعيشِ المحبّةِ الحقيقيّةِ والوصيّة لتنفيذها، "وصيّتي لكم هي أن تحبّوا بعضُكم بعضًا كما أنا أحببتكم". توّج زمنَ النّعمةِ هذه بالموت عنّا جميعًا ليقيمَنا معه إلى الحياة الأبديّة. بالتالي يُعدّ زمنُ الصّومِ المقدّسِ من أبرز الأيّام وأجملها الّتي يكتشفُ فيها الإنسانُ سموَّ عظمةِ حبِّ اللهِ من جهة ويكتشف من جهة أخرى كم هو في حاجة إلى أن يعبّر عن حبّه لأخيهِ الإنسان. يعيش كثيرون منّا في هذه الفترة صراعًا مريرًا حول كيفيّة الالتزام بالصّوم ولكنْ لا ننسى أنّ يسوعَ صارع الشيطانَ وانتصرَ عليه ويتّضحُ هذا في نهاية الأربعين "أنّهُ جاع"وظنّ الشّيطانُ أنّه سينتصرُ على يسوعَ في استخدام سلاح الجوع أو التعالي حينما طلب منه قائلاً لو كنتَ ابنَ اللهِ قلْ لهذه الحجارةِ تصيرَ خبزًا، أجابه يسوع، ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان " جوع الجسد الى الخبز"وإنّما الإنسانُ يحيا بكلمةِ الله. أخلا المسيحُ ذاتَه معلنًا أنّه كلمةُ الله، كمصدرٍ أساسيٍّ للتغذيةِ منه، كونُه هو خبزَ الحياة ومن هنا تبدأ أولى الخطوات، لا بل أبرزُها التي يتّخذُها المؤمنُ الحقيقيُّ لشركةِ الحياةِ الأبديّةِ والبنّوةِ للهِ والأساسَ الذي تُبنى عليه هذه الشركة: 1- التغلّبُ على شهواتِ الجسد: للإنسانِ العديدُ من الشّهواتِ والمتطلِّبات، معظمُها ناتجٌ عن غيرةٍ أو حسدٍ أو حقد، فالشهواتُ مثلاً هي الامتلاكُ والاقتناء. يكمنُ التّغلّبُ على هذا في أنْ، عندما تدخلُ إلى قلبِكَ أو فكرِكَ شهوةٌ معيَّنةٌ حاول أن تتخلّصَ منها وتذكّرْ ما أجملَ الإنسانَ الذي يُذِلُّ الشّهوةَ وينتصرُ عليها بدلاً من أنْ تُذلَّهُ الشّهوةُ وتكسِرَه. الانتصارُ هو مبعثُ فرحٍ وسرورٍ للإنسان، فلذلك لا نَيأْسنّ من الشّهوةِ ما دام هناك بابٌ للانتصار والتّغلُّبِ عليها، بالطبع، بعمل المسيحِ الذي حوّلَ الموتَ إلى حياة، واليأسَ الى رجاء، كما أنّه عمل في نفوسِ أشخاصٍ عصفت بهم الشّهوةُ بملذّاتِ العالمِ ومتطلّباتِهِ كمثلِ أغسطينوس الذي صار من أبرزِ آباء الكنيسة، حتّى مار بولس تبدّل عندما ناداه يسوع تبدّلاً جذريًّا، من مضطهدٍ للمسيح إلى أكبر مبشّرٍ به قائلٍ "الويل لي إلّم أبشّر، لي اشتهاءٌ أنْ أنطلقَ وأكونَ مع المسيح". 2- حياةُ الجهادِ المتواصل: يجب علينا أن لا ننسى أبدًا أنّنا بشرٌ ولسنا ملائكة، وأنّنا نلبسُ جسدًا ترابيًّا فانيًا ومهزومًا ومع ذلك نملك في المسيح مكوّنات الجسد النورانيّ، لذا نتذكّر أنّنا بالمسيح ننتصر وأنّه هو يحبّنا ولا سيّما في أوقات الضعف والهزيمة. 3- الصلاةُ المستمرّة: الصلاة هي الصلةُ الوحيدةُ التي تربطنا بالله من ناحية وبالإنسان من ناحيةٍ أخرى وهْي المفتاحُ الذهبيُّ لكلّ عملٍ نريدُ القيامَ به. يمتنعُ كثيرون من الناس عن الصلاة بحجّة أنّهم خطأةٌ أو هم في فعلِ الخطيئة. مؤكدٌ أنّ ارتكابَ الإنسانِ للخطيئةِ وإهمالَه الصلاةَ وبعدَه عن نبعِ الحياةِ، هذه كلَّها ستجعلُه يرتكبُ المزيد من الخطايا. ولكن، لنتذكّر صرخةَ داود النبيّ إلى الرّبّ "يا ربّ لا تتركني وحدي" و "إرحمني كعظيمِ رحمتك، وكمثل كثرةِ رأفتِكَ تمحو معاصيّ." يتمسّك داود هنا بالله ويطلب منه القوة للانتصار على الخطيئة والقلبَ الجديد. فـ «المولود من الجسد جسدٌ هو، والمولود من الروح (القدس) هو روح» (يو 6:3) وبهذه الغلبةِ ينمو فينا الإيمانُ بأنْ لا شيءَ يمكنُه أن يفصلَني عن محبّة المسيح، لا جوعُ ولا عطشُ ولا عُري. 4- بذلُ الذات: المقصودُ ببذلِ الذاتِ، تسليمُ الإنسانِ نفسَه بالكامل بكلّ طاعةٍ ووداعةٍ وثقة ومن دون خوف، والله يقودُ الإنسانَ لتحقيقِ مشيئتِه الصالحة، فاللهُ هو مبدأُ كلِّ شيءٍ وهْو غايتُه، وهْو المعتني بكلّ خليقتِه: بشرًا وحيوانًا ونباتًا. ونحن في حاجة إلى أن نستودعَ حياتَنا عند مَن يقدرُ أن يحفظَها ويعتنيَ بها ويحميَها، وينزعَ منها الخوف، ويختارَ معها ولها، خصوصًا في أمورِ المصير فهْو يدعونا: " تعالَوا إليّ يا جميع المتعبين والمثقلين بالأحمالِ وأنا أريحُكم ومِن هنا ينمو الإيمانُ كما تنمو الشركةُ والتوبةُ ونلقي بذاتِنا في أحضانِ القادرِ أن يحملَ أثقالَها وذاتَها وهمومَها واهتماماتِها. 5- الشركةُ في الكأسِ الواحدة:«كأسُ البركةِ التي نُباركُها، أليست هي شركةُ دمِ المسيح؟ الخبزُ الذي نكسرُه، أليسَ هو شركةَ جسدِ المسيح؟ فإنّنا نحن الكثيرين خبزٌ واحد، جسدٌ واحد، لأنّنا جميعَنا نشتركُ في الخبزِ الواحد» (1كو 10: 17،16). تمنحنا هذه الشركةُ نعمةَ التبنّي الإلهيّ وعيشِ المحبّةِ التي من دونِها لا نستطيعُ أن نعملَ شيئًا، من دون محبّة، لا قيمةَ لنا ولا نصلحُ لميراثِ الحياةِ الأبديّة: «إنْ كنتُ أتكلَّمُ بألسنةِ الناسِ والملائكةِ ولكنْ ليسَ ليَ محبّة، فقد صرتُ نحاساً يَطِنُّ أو صَنْجاً يرنُّ...) وإنْ سلَّمتُ جسدي حتّى أَحتَرِق، ولكن ليس ليَ محبّة، فلا أنتفعُ شيئاً» (1كو 1:13-3) + «المحبة تتأنَّى وترفق. المحبة لا تحسد. المحبة لا تتفاخر، ولا تنتفخ، ولا تُقبِّح... وتصبِرُ على كلِّ شيء. (وأخيرًا) المحبّةُ لا تسقطُ أبدًا (عن مستوى الصليب)» (1كو 4:13-8) 6- المسامحةُ والغفران: يفتحُ المسيحُ امامَنا أبوابَ التوبةِ والمسامحةِ والغفران، والطريقُ المؤدي الى هذا الباب هو التواضع لأنّ معه ستتمّ أعمالُ المحبّة. في الغفرانِ نتبادلُ قبلةَ السلامِ والمصالحةِ مع الله ومع القريب. نحن لا يمكنُنا أن نهبَ الغفرانَ للقريبِ ما لم نستمدَّهُ من اللهِ وكي نستمدَّهُ منهُ، علينا أن نستعدّ لأن نغفرَ بعضُنا لبعض "أغفروا بعضُكم لبعض فيغفرَ لكم أبوكُمُ السماويُّ زلاتِكم." ليس الصوم زمنًا لتعذيب الجسد او لمعاقبة الذات أو لإيفاء ديون لله. الصوم هو زمن يسوده الشعور بالمحبّة الأخويّة والشعور بمحبّة الله والدخول في غمرة أنواره السماوية الصوم هو الفترة التي تملؤنا فيها النعمة السماويّة من انسكابها في قلوبنا وحضرتها في حياتنا "فنسهو عن أكل خبزنا". الصوم هو الفترة التي لا نحيا فيها متصارعين من أجل "لقمة" خبز، بل هو الفترة التي يصبح فيها خبزنا الجوهري طعام الملائكة، أي التسبيح، وإطعام الأخوة أي المحبّة (أحد الآباء). 7- المحبّة الاخويّةُ والأخوّةُ المشترّكّة: المحبّةُ هي هبةُ اللهِ للإنسانِ وهْي سرٌّ في داخلِ الإنسانِ من خلالِه يتمكّنُ من حبِّ الآخر. أعطانا يسوعُ نهجَ المحبّةِ الحقيقيّةِ بمَثَلِ حياتِهِ ودعوتِهِ لنا لحبِّ القريب لا بل لأكثر من ذلكَ، لحبِّ العدوّ. جوهرُ حياةِ يسوعَ المحبّةُ وقد تمرْكزَ تعليمُه حولَ وصيّةِ المحبّة "وصيّتي هي أن تحبّوا بعضُكم بعضًا " من لا يحبُّ أخاهُ يبقى في الموت". عليك أن تحبَّ الآخرَ مهما فعل، لأنّ المحبّةَ هي العلامةُ الوحيدةُ التي تميّزُ أولادَ الله"( اغسطينوس). فصارت المحبّةُ الأخويّةُ مقياسًا لشكلِ عبادتِنا وعن ذلك تحدّثَ يسوعُ عن أساسيّاتِ العبادةِ وهْيَ الصومُ والصلاة (ارتباطٌ روحيٌّ بالله) والصدقةُ (ارتباطٌ ملموسٌ بالقريب)، في تعبيرِها الظاهريّ أيّ مشاركةِ الآخرِ والشعورِ به ليس فقط بالمال إنّما بصدقِ المشاعرِ في ظروفِ حياتِهِ كلِّها. لذا فالمحبّةُ هي أيضًا معيارُ دينونتِنا أمامَ اللهِ وكيفَ تعامَلْنا مع القريب "كلّث ما فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاءِ الأصاغرِ فبي فعلتموه". يجبُ أن نعرفَ أنّ محبّةَ المسيحِ للبشرِ هي التي جعلتْنا نستطيعُ أن نحبَّ البشرَ وهذه المحبُّة ظهرتْ في عملِ المسيحِ الفدائيِّ من خلال الصليبِ والقيامة. علاماتُ المحبّةِ الاخويّة 1- العملُ التطوّعيّ: يقوم هذا العملُ على الخدمةِ التطوّعيّةِ للمتألمّينَ والمحتاجينَ منَ الفقراءِ والأيتامِ والأراملِ "احد إخوتي الصّغار". كذلك، في خدمةِ بيتِ اللهِ والسّهرِ الدّؤوبِ على احتياجاتِ البيت ِمن ترتيبٍ وتنسيق. 2- بالمَثَلِ الصّالح: "يروا أعمالكمُ الصّالحةَ فيمجّدوا أباكمُ الّذي في السّموات". عندما تقدّمُ عملاً ما لأيِّ شخص، يجبُ أنْ يأتيَ نابعًا من محبّةٍ تجعلُ الآخرَ مُعْجَبًا بمثَلِكَ لِيقتديَ بكَ فتكونَ جذبتَهُ إلى الآب السماويّ. 3- بالّلطفِ وطولِ الأناة: كلماتٌ مِنْ صميمِ أنشودةِ المحبّةِ لِبولسَ الرّسول، بالّلطفِ والأناةِ يمكنُنا تحمُّلِ الصليبِ والمضايقات، واحتمالَ الأشخاصِ كما هم لأنّ في الاحتمالِ نِعَمٌ وبركاتٌ لا تُحصى ولا تُعدّ، "مُحتملينَ بعضُكم بعضًا في المحبّة". 4- الوداعةُ والبشاشة: هما سبيلُ الفرحِ والبهجةِ في نفوسِ النّاس، وقد خاطَبَنا يسوعُ بقولِهِ "أراكمْ فتفرحون" ودَعانا بولسُ الرّسولُ إلى أنْ نفرحَ في الرّبّ كلّ حين، فيسوعُ لنا هو روحُ الوداعةِ والفرحِ والبشاشة. يقول ذهبيُّ الفم "لا تنتظرْ أنْ يحبَّكَ الآخر بل اقفزْ بمحبّتِكَ نحوَ الآخر". أهميّةُ التَوبةِ لصومٍ مقدَّس يدعونا الربُّ بقولِهِ: "قدّسوا صومًا وهذا ما يجعلُ الإنسانَ في حالِ استعدادٍ دائمٍ لأنْ يكونَ ذا فكرٍ مقدّسٍ وقلبٍ مقدَّسٍ وجسدٍ مقدّس لأنّنا بالقلبِ والعقلِ واللسانِ نتمكّنُ من تسبيحِ الرَبِّ المتواصلِ والاقتراب ِمنهُ ورفضِ الخطيئةِ التي تفصلُنا عن الله، وبفعلِ التوبةِ نقتربُ من الله ونلتصقُ به، هو قابلِ الصلواتِ والأصوام، لا سيّما صومِ الجسدِ عنِ الطّعامِ وصومِ الرّوحِ عنْ كلِّ شهوةٍ أرضيّةٍ وكلّ رغبةٍ عالميّة. فالإنسانُ الّذي يعيشُ بالرّوحِ هو إنسانٌ مدعوٌّ الى التحرّرِ منَ الأنانيّةِ إلى روحِ العطاءِ والمقاسمةِ لأنّنا جميعًا إخوةٌ في الإنسانيّةِ وأبناءٌ لله وبحاجةٍ دائمةٍ إلى أنْ نمدَّ يدَ العونِ الى بعضِنا البعضِ لسدِّ عَوَزِ منْ هُمْ في أمسِّ الحاجةِ إلى المساعدةِ وتلبيةِ احتياجاتِهم وعندَ القيامِ بهذا، يتحرّرُ القلبُ تمامًا منَ الطّمعِ والحِقدِ وحبِّ الامتلاكِ ليتهيّأ لحياةِ التوبةِ والنقاوةِ والمزيدِ من الصّلاةِ والصومِ الناجحِ المثمرِ والدخولِ بعمق، جوَّ المسامحةِ والصفحِ والاتّحادِ مع المسيحِ في موتهٍ وقيامتِهِ فهْو قدْ غلبَ الموتَ وفجّرَ ينابيعَ الحياةِ وأعطى معنىً حقيقيًّا للحياةِ على الأرضِ حتّى وإنْ كانتْ حياةً مليئةً بالمشقّاتِ والأتعابِ وحياةِ جهادٍ مستمرٍّ وصراعٍ دائمٍ بين متطلّباتِ الجسدِ ومتطلّباتِ الرّوحِ "مصارعتُنا ليست ضدَّ لحمٍ ودمّ بل ضدَّ أجناِد شرٍّ روحيّةٍ فالروحُ يشتهي ضدّ الجسدِ والجسدُ يشتهي ضدّ الروح". الكثير من الأباء نهجوا الصوم كطريق لتقديس الحياة تميّز كثيرونَ منَ الآباءِ القدّيسين بحياةٍ مليئةٍ بالفرحِ والبهجةِ وحياةِ الانتصارِ الدائمِ على حالةِ الوحدةِ والحزنِ والمرضِ أيضًا وإنْ كانَ يعتريهمُ الكثيرُ منَ المحارباتِ الشرّيرةِ بطرقِها المتنوّعةِ إلاّ أنّهم لمْ يقعوا يومًا فريسةَ الاكتئابِ أو التجاربِ القاسيةِ فعاشوا حياتَهم في الملء بقضاءِ الساعاتِ الطوال في الصلاةِ والتأمّلِ والسجودِ وضبطِ حواسِهم مفتدينَ الوقتَ بالكثيرِ من الصلاةِ والخدمةِ وعملِ الحقِّ بالمحبّةِ ومطالعةِ الكتبِ المقدّسةِ والنظرِ الى الأمامِ وعدمِ الالتفاتِ الى الوراءِ والتفكيرِ في الماضي وأدركوا أنّ الحياةَ أوفرَ جمالاً وروعةً منْ أنْ نفقدَها في الاضطرابِ والقلقِ. يقولُ أحدُ القدّيسين "لماذا نجاهدُ ووجوهُنا عابِسة؟! ألسنا ورثةَ الحياةِ الأبديّة؟ فالوجهُ العابسُ هو وجهُ من همْ بعيدونَ عن حالةِ النعمةِ كالوثنيّينَ والخطأةِ أيّ من همْ في خارجَ الحظيرة، أمّا نحنُ المدعوّونَ في صحبةِ الأبرارِ والقدّيسين فحريُّ بنا أنْ نفرحَ ونبتسمَ ونستمتعَ بدعوةِ الرّبِّ الذي وهبَنا الحياةَ وجاءَ لتكونَ لنا أفضلَ وأوفرَ وأنْ نحقّقَ مشيئتَه في حياتِنا بأنْ نكونَ قدّيسينَ فيهِ بلا عيبٍ ولا لوم ونسيرَ بجانبِ الرّبِّ ونثقَ أنّنا بين يديهِ يحملُنا على كتفيهِ ويحملُ عنّا أثقالَنا وأوجاعَنا ونجعلَ يومَنا أفضلَ من الأمسِ وغدَنا أفضلَ من اليوم لأجلِ حياةٍ مباركةٍ ملؤها القداسةُ والنّعمة. صلاةٌ منَ الليتورجيةِ القبطيّةِ لزمنِ الصوم أنتَ هو اللهُ الرّحومُ مخلّصُ كلِّ أحد، المتجسّدُ لأجلِ خلاصِنا. يامنْ أضاءَ علينا نحنُ الخطأة بنورِ الرّوحِ القدسِ وصامَ عنّا أربعينَ يومًا وأربعينَ ليلة بسرٍّ لا يُنطقُ به. وأنقذَنا منَ الموتِ وأعطانا جسدَهُ المقدَّسَ ودمَهُ الكريمَ لغفرانِ الخطايا. وكلّمَ الجمعَ وتلاميذَهُ القدّيسينَ ورسلَهُ الأطهارُ قائلاً: "هذا هو خبزُ الحياةِ الّذي نزلَ منَ السّماء. ليسَ كما أكلَ أباؤكمُ المَنَّ في البرّيةِ وماتوا. مَنْ يأكلُ جسدي ويشربُ دمي يحيا إلى الأبد، وأنا أقيمُهُ في اليومِ الأخير." فلهذا نسألُ ونطلبُ منْ صلاحِكَ يا محبَّ البشر، طهِّرْ نفوسَنا وأجسادَنا وأرواحَنا. كي، بقلبٍ طاهرٍ نجرأَ بدالةٍ بغيرِ خوفٍ أنْ نصرخَ نحوَ أبيكَ القدّوسِ الذي في السّموات، ونقول: "يا أبانا الذي في السّموات، ليتقدَّسِ اسمُك..".