موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٧ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٩

أنتم نار العالم

بقلم :
الأب هشام الشمالي اليسوعي - الأردن

لوقا 12 : 49 "جِئتُ لأُلقِيَ على الأَرضِ نارًا" الربّ يلقي النار لأنه نار . وصل موسى مع الشعب الخارج من العبودية إلى جبل نيبو . غضب الربّ على موسى بسبب خيانة الشعب وتصنيماته وقال له إنه لن يدخل الأرض الطيبة معهم بسببهم , وإنه لن يعبر معهم وادي الأردن إلى أرض كنعان الموعودة لهم . فيذكّر موسى الشعب أن لا ينسى عهد الربّ في صحراء سيناء حيث أعطاهم كلماته العشر ليحيوا بها , لأن الربّ إلههم هو نار آكلة وإله غيور . (تثنية 4: 21-24) وإن كان الكلام على الربّ النار , فلا بدّ من ذكر مشهد آخر , عندما تراءى ملاكُ الربّ لموسى في لهيبِ نار من وسطِ علّيقة . فنظر فإِذا العلّيقة تشتعل بالنّار وهي لا تحترق . ما أثار دهشة موسى وخوفه من أن ينظر إلى إله آبائه . (خروج 3: 1-6) هذا هو إلهنا أيضا , الذي يُشعِل , هذا الحضور المهيب الذي لا يجرؤ أحد أن يرى وجهَه لأنّه لا يراه الانسان ويحيا (خروج 33: 20) . وهذا هو إلهنا الذي لا يُحرِق , فهو ليس في النار بل في صوت النسيم اللطيف (1 ملوك 19: 12) . فالربّ لا ينافس الانسان ولا يهدّده , لكنّه يغار عليه فلا يريده أن يهلك إنّما يريد خلاصه إلى أقصى الحدود . متى ألقى اللـه ناره أيضا ؟ لما أتى اليوم الخمسون , وكانوا كلّ الرسل والتلاميذ والتلميذات مع مريم مجتمعين في مكان واحد , وظهرت لهم من السماء ألسنة كأنّها من نار قد انقسمت فوقف على كلّ منهم لسان , فامتلأوا جميعا من الروح القدس . (أعمال 2: 1-4) هذه هي معمودية النار التي تنبّأ بها يوحنا المعمدان لتلاميذه , والتي تجعل من كل معمّد لسان نار , ألقاه المسيح , فلا يُحلّ السلام في الأرض بل الانقسام (لوقا 12: 51) . لأن الملكوت سيكون مصدرا للصراع والانقسامات حتى في العائلات وبين أقرب الأقرباء , بحسب قبول هذا الملكوت أو عدمه . فمن نال النار بالروح , صار نارا . فالمسيحية أو المسيحي ليس عنصرًا مبايعًا . المسيحي ليس فردًا اجتماعيًا مسايرًا . المسيحي نار يلقيها الربّ لكي يقسم , لأنه يقول الحقّ . كيف ؟ - هو/هي نار بالحكمة , لأنه يميّز بين الأرواح , ويعرف ما هو من اللـه , وما ليس من اللـه , فيقضي بالبرّ ويحكم بالاستقامة للضعفاء . - هو نار بالفهم , يميّز بين التعليم الضال والتعليم الصحيح , والتفسير المضلّ والتفسير المستقيم فيعلنه . - هو نار بالمشورة , فلا يسير بمشيئته أو مشيئة بشر , لكن يستشير الربّ ويميّز مشيئته فيتواءم معها ليعمل بها . - هو نار بالقوة , فلا ينصاع للجبن والخجل بالربّ وكلمته , ولا تفتر همّته , بل يتحلّى بالشجاعة لاعلان الملكوت والشهادة له , الى حدّ الاستشهاد في سبيله . - هو نار بالمعرفة , معرفة الخالق لتسبيحه وإكرامه وخدمته , والمخلوقات لتساعده على هذه الغاية , وليس العكس . (القديس إغناطيوس دي لويولا) - هو نار بالتقوى , لا عدوّ , بل صديق اللـه فصديق البشر , فيبكي مع الباكين ويفرح مع الفرحين . - هو نار بمخافة اللـه , فلا يساير خطأة ليكسب ودّهم ولا يستخف بالبعد عن اللـه بل يهاب الربّ القدير ويناديه أبّا . المعمّدون والمعمّدات هم ألسنة من نار ألقاهم الربّ ليفصل بين آل اليمين وآل اليسار . "يا من تعمّدت في ماء الاردن , عمّدنا بالروح القدس والنار".