موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٧ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٩

أنا الحبل بلا دنس

بقلم :
المطران كريكور كوسا - مصر

في الثامن من كانون الأول سنة ????، أعلن البابا بيوس التاسع في براءة بابويّة مريميّة أنّ مريم لم تخضع لسيطرة الخطيئة في أية لحظة من حياتها، منذ الحبل بها: فبفعلٍ مسبق للفداء، حفظها إنعام إلهيّ خاص من دنس الخطيئة الأصليّة. وهذا نصّها: "نعلن ونحكم ونحدد أن الطوباوية مريم العذراء قد حُفِظت من الخطيئة الأصلية منذ اللحظة الأولى للحبل بها، بنعمة وإنعام خاص من الله القادر على كل شيء، بالنظر إلى استحقاقات السيد المسيح مخلص الجنس البشري، وهي عقيدة أوحى بها الله. فيجب على المؤمنين أن يؤمنوا بها إيمانًا ثابتًا لا يتزعزع". وقد أكّدت العذراء نفسها هذه العقيدة في ظهورات لورد سنة ????، عندما أعلنت لبرناديت وللعالم: "أنا الحبل بلا دنس". "تُعَظِّمُ نفسي الرَّبّ وتبتهجُ روحي بالله مُخَلِّصي... وها منذ الآن تطويبني جميع الأجيال، لأنَّ القدير صنع بي عظائم" (لوقا ?: ??-??). إنّ عظائم الله هي التي جعلت مريم فائقة القداسة والطهارةِ والجمال: "كُلُّكِ جميلة ولا عيب فيكِ" حول هذه العظائم التي أُعطيت لمريم العذراء من الله، نتأمل في سبعة نقاط مأخوذة من الكتاب المُقدّس وتعاليم الكنيسة المقدسة، والتي تبرهن على أن العذراء مريم برئية ومعصومة من الخطيئة الأصلية: ?- عقيدة الحبل بلا دنس. وهي أنّ العذراء مريم الكلّية القداسة عُصمت من دنس الخطيئة الأصليّة منذ اللَّحظة الأولى لتكوينها في حشا أمّها، بنعمة وإنعام خاصَّين من الله القدير، وبفضل استحقاقات يسوع المسيح، مخلّص الجنس البشري. ?- أمومتها للإله المتجسِّد: أعلنها مجمع أفسس (???) عقيدةً وهي أنّ مريم أصبحت حقًّا أمَّ الإله بحبلها بابن الله في حشاها. هي "أمّ الإله"، لا لأنّ طبيعة الكلمة الإلهي أو ألوهته اتّخذت بدءها أو وجودها من مريم القدّيسة، بل جسدُه البشري المقدّس المنعش بنفس عاقلة الذي اتّحد بشخصه الإلهي، هو الذي وُلد من مريم. وهكذا "الكلمة صار بشرًا فسكن بيننا" (يوحنا : ??). ?- مريم البتول ودائمة البتولية: حبلت مريم بيسوع ابن الله بقوّة الروح القدس، من دون زرع بشري، وهي عذراء بتول. هذا عمل إلهي يفوق إدراك الإنسان وإمكانيّاته. وقد حقّق نبوءة أشعيا: "ها إنّ العذراء تحمِلُ فتلِدُ ابنًا وتدعو اسْمَه عِمّانوئيل" (أشعيا ?: ??). إنّ مريم، الأمّ والبتول، هي رمز الكنيسة، وتحقيقها الكامل: فالكنيسة بقبولها كلمة الله بالإيمان تصبح أمًّا. ثمّ بكرازتها للإنجيل وممارسة المعمودية تلد بنين، حُبل بهم بالروح القدس، ووُلدوا من الله لحياة جديدة لا تموت، بل هي حياة أبدية "بل من الله وُلِدوا" (يوحنا ?: ??)، "ما من أحدٍ يُمْكِنُه أن يدخُلَ ملكوت الله إلاَّ إذا وُلِدَ من الماءِ والرُّوح. فمولودُ الجَسدِ يَكونُ جسداً ومولودُ الرُّوح يَكونُ روحاً" (يوحنا ?: ?-?). ?- مشارِكة في عمل الخلاص والفداء: تعتبر الكنيسة أنّ مريم وسيطة للخلاص من خلال وساطة المسيح الوحيدة، وأنّ ما لها من تأثير على المؤمنين والمؤمنات إنّما ينبع من استحقاقات المسيح الفيّاضة (الدستور العقائدي "في الكنيسة"، ?? و??). ?- مريم أمّ الكنيسة: تعتبر الكنيسة أيضًا أنّ مريم أمّ المسيح التاريخي، بفضل مشاركتها في آلام ابنها الخلاصيّة، قد أصبحت أمَّ المسيح الكلّي الذي هو الكنيسة. بكلام الملاك في البشارة، والإجابة بكلمة "نعم"، أصبحت أمَّ يسوع، وفي آلام الصليب أصبحت أمّ جسده السّرّي الذي هو الكنيسة، فرأى يسوعُ أُمَّه وإلى جانِبِها التّلميذ الحبيبُ إليه. فقالَ لأُمِّه: "أَيَّتها المرأة هذا ابنُكِ". ثمَّ قَالَ للتِّلميذ: "هذه أُمُّكَ. ومنذُ تِلكَ السَّاعةِ استَقبَلَها التِّلميذُ في بيتِهِ" (يوحنا ??: ??-??). إنّها أمّنا بالنعمة، وبأمومتها هي مثال للكنيسة في الإيمان والمحبة (كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم ???). ?- انتقالها بالنفس والجسد إلى السماء: عندما أنهت مريم مسيرة حياتها الأرضيّة، نُقلت بنفسها وجسدها إلى مجد السماء، حيث تشارك في مجد قيامة ابنها، مستبقة قيامة كلّ أعضاء جسده (كتاب التعليم المسيحي المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، رقم ???)، وبراءة إعلان العقيدة للمكرّم البابا بيوس الثاني عشر سنة ????) . مريم العذراء بانتقالها إلى السماء، هي صورة الكنيسة وأبنائها وبناتها الذين هم في مسيرة حجّ بإيمان ورجاء نحو بيت الآب السماوي، للمشاركة في مجد الثالوث القدّوس، الإله الواحد غير المنقسم والمتساوية في الجوهر، في شركة القدّيسين. بانتقالها إلى السماء، تواصل مريم الكلّية الطوبى والكاملةُ القداسة أمومتها بالنعمة لجميع البشر، وتشفع بهم لينالوا الخلاص الأبدي، ولهذا تسمّيها الكنيسة المحامية والمعينة والوسيطة. ?- وأخيراً من اجل كلّ هذه العظائم التي حقّقها الله في شخص مريم الكلّية القداسة والفائقة الجمال، نعظّم الله معها، ونعطيها الطوبى. إليها، ملجأ الخطأة، نكل كلّ الخطأة، ونكفّر عن إساءاتهم لله بتوبتنا وأعمال المحبة والرحمة. وإليها، سلطانة السلام، نجدّد تكريس بلادنا والشرق الأوسط والعالم بأجمعه، ملتمسين من قلبها الطاهر أن تستمدّ لنا من ابنها يسوع، "أمير السلام" (أشعيا ?: ?)، الاستقرار، وإيقاف الحروب، والحلول السلمية للنزاعات، وإرساء السلام العادل والشامل والدائم، وعودة جميع المهجّرين واللاجئين والمخطوفين إلى بيوتهم وعائلاتهم وأوطانهم. ومن هذا المكان، من هذه الكاتدرائية المقدسة، كاتدرائية الحبل بلا دنس للأرمن، التي شهدت عظائم الله المتتالية على مدى قرنٍ ونصف القرن، ننشد: "تعظّم نفسي الربّ، وتبتهج روحي بالله مخلّصي، لأنّ القدير يصنع العظائم، قُدُّسُ اسْمُهُ ورحمَتُهُ من جيلٍ إلى جيل" (لوقا ?: ??-??). المطران كريكور اوغسطينوس كوسا اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك