موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٣ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٥

أعمى يرى نور يسوع

بقلم :
الشماس سمير كاكوز - ألمانيا

يذكر يوحنا في الاصحاح 9 ان يسوع شفى رجلا اعمى منذ ولادته. يسوع قال للعمى اذهب واغتسل في بركة سلوام معناها الرسول او المرسل. الاعمى أبصر في الحال بعد ان غسل وجهه بماء البركة. كيف جعل يسوع هذا الاعمى يبصر عندما تفل على الارض وصنع طيناً ووضعه على عيني الاعمى؟. هذا الشفاء وهذه المعجزة حصلت يوم السبت، الراحة الاسبوعية للشعب اليهودي. كان القانون اليهودي يمنع الاعتناء بالمرضى يوم السبت الا في الحالات الضرورية. كما ورد ايضا في يوحنا المسيح شفى مقعدا يوم السبت الاصحاح 5/ 9، وقال له احمل فراشك وامشي. الرجل الاعمى بعدما أبصر ترك مكانه، واكيد لم يذهب الى اهله واصدقائه، بل الى السوق فورا ليرى الاشياء التي لم يراها منذ ولادته. في هذا الاثناء الجيران او بعض من معارفه رأه مبصر العينين وقالوا في انفسهم وانهم قبلا شاهدوه شحاذا وكان يقعد ويستعطي انه ولد اعمى فكيف الان يبصر. فلم يصدقوا انه هو لكن اخرون قالوا انه هو نفسه الشحاذ الذي كان يقعد ويستعطي، واخرون قالوا لا انه احد من الاشخاص يشبه. لكن الرجل الذي أبصر قال لهم انا هو ولم ينكر الحقيقة. هنا حدث انشقاق بين الناس حول الرجل الاعمى الذي شفاه يسوع. من هنا بدأت الاسئلة تدور فيما بينهم كيف انفتحت عيناك. الرجل وبكل شجاعة لم يخاف من هؤلاء واجابهم رجلا اسمه يسوع صنع طينا ووضعه على عيني وقال لي اذهب واغتسل في بركة سلوام فذهبت واغتسلت فابصرت. هؤلاء سالوه اين هو الشخص الذي شفلك. اجاب لا اعلم اين ذهب، بمعنى ان هؤلاء لم يصدقوا انه كان اعمى والان يبصر. ويا لقساوة قلوب الناس انهم يشاهدون العجائب ولم يؤمنوا بيسوع. وكثير منا مثل هؤلاء الناس حتى ان راينا معجزات لا نؤمن بها. السبب هو ان الخطئية جاثما على قلبنا على روحنا على فكرنا فاذن ان لا نكون مثل هؤلاء الذين لا يصدقون بكلام الله واعماله ومعجزاته. لنتذكر كلام الرب يسوع للتلميذ توما وقال له ألانك رأتيني أمنت؟ طوبى للذين يؤمنون ولم يروا (يوحنا 20 29). نذكر شيء اخر وهو ان كلمة اعمى ترد 12 مرة في الاصحاح التاسع. هذا ما معناه انه ننتقل من عمى الرجل الى عمى الفريسيين. لم يصدقوا الشحاذ الذي ابصر ذهبا به الى جماعة الفريسيين واتوا به امامهم. الفريسين سالوأ الاعمى الذي ابصر كيف انفتحت عيناك اجابهم وضع طينا على عيني ثم اغتسلت والان ابصر. هنا الاعمى لم يذكر اسم يسوع احتمال اخرون قالوا للفريسيين ان يسوع هو الذي شفاه فرد عليه الفريسيين ان هذا الرجل ليس من الله واما الواقفون في الجلسة وقسم منهم قالوا كيف لرجل خاطئ يقدر ان يعمل مثل هذه الايات فحدث انشقاق وخلاف بينهم فرجعوا الى الرجل الذي ابصر وانت ماذا تقول عنه ما هو رايك فيه اجابهم الذي ابصر انه نبي. فهنا يعترف للمرة الاولى بان يسوع هو رجل الله وله كل السلطان ويفوق الطاقات البشرية وان يسوع يعمل باسم الله. وكما قالت المراة السامرية في يوحنا الاصحاح 4/ 19 أرى انك نبي يا سيدي، وبمعنى اخر ان يسوع هو رجل الله. وان فتح عيني اعمى لا يمكن ان يفعله اي انسان ان لم يكن معه الله. مرة اخرى الفريسيين لم يصدقوه انه كان اعمى وهو الان يبصر فارسلوا الى والديه ان ياتيا امامهم للسؤال عن ابنهم الذي ولد اعمى. الوالدان اتيأ وسالوهم الفريسيين هل هذا ابنكم كما تقولون للناس انه ولد اعمى فكيف يبصر الان. اجابهم الوالدان ان ابننا هذا ولد اعمى. كيف يبصر ومن فتح عينيه لا نعلم ولا نعرف اي شيء عن هذا الموضوع. هنا الوالدان لم يقفا بجانب ابنهم بل خافا من الفريسيين من ان يطردوهم من المجمع ان اعترفا بيسوع. اليهود اصدروا قرار بان كل من يعترف بيسوع يطرد من المجمع وعليه انكر الوالدان ولم يعترفا بيسوع امام الفريسيين، فقالا: لا ندري من فتح عينيه، اسالوه انه مكتمل وبالغ السن. اكيد الرجل الاعمى كان حاضرا في هذه الجلسة، لكن يوحنا لا يذكر ان الاعمى الذي ابصر كان حاضر ام لا. الفريسيون دعوا الاعمى مرة ثانية ليسألوه عن كيفية انفتاح عيناه، فقالوا له: مجّد الله او احلف اليمين، نحن نعلم ان هذا الرجل خاطئ. فردّ عليهم الاعمى، واحتمال بقوة وعصبية: إن الرجل ان كان خاطئاً، لا اعلم!، اني اعلم شيئاً واحداً اني كنت اعمى والان ابصر. فسالوه ثانية ماذا صنع لك وكيف فتح عيناك. عجبا ما هذا القلب القاسي والاعمى الذي لا يرى هذه المعجزة وينكرونها، مع العلم ان هؤلاء الناس والجيران والفريسيون يعرفون كل المعرفة انه كان اعمى منذ ولادته لكن هم ينظرون ولا يبصرون. اجابهم الاعمى كم مرة تريدون ان اذكرها لكم بانه كيف فتح عيني ولم تسمعون لي ولا تصغون اذن لماذا اعيدها لكم كيف فتح عيني في فكري هو انكم تريدون وترغبون ان تصيروا من تلاميذه. هنا، لم يخف الاعمى من الفريسيين، فيما خاف والديه من ان يقصوه من المجمع ويطرد. فهم الاعمى شيئا واحدا، وعلم هو انه حياته تغيرت بعد ان فتحت عيناه. ففي الحال غضبوا عليه وشتموه من كلامه، وقالوا له: انت تلميذه، واما نحن فتلاميذ موسى، نحن نعلم أن الله كلم موسى، أما هذا فلا نعلم من أين هو. عجيب ما هذه القلوب القاسية. إن هؤلاء لم يروا أن الله كلم موسى، ولكن يؤمنون بذلك من خلال الكتب الموجودة عندهم، لكن يسوع الذي عمل وصنع المعجزة أمامهم لم يؤمنون به ولم يصدقونه. الشيء ينطبق علينا، كيف إن لم نرى الآيات والعجائب لا نؤمن بيسوع، نؤمن بالجسديات اكثر من الروحيات. نعم هذا الاعمى تعجب من كلامهم، بأنهم يعلمون كل العلم أن الله لا يستجيب للخطأة أبداً بل يستجيب الى الناس الذين يسمعون كلامه ويتقونه ويعملون بمشيئته. وكذلك يعلمون كل العلم، ولم يرد في الكتب أبداً ان احدا ومنذ بدء الخليقة انه فتح عيني مولود اعمى، وعليه ان هذا الرجل ان لم يكن من الله لم يقدر ان يصنع شيئا او ان يعمل معجزة ويفتح عيني. هنا الاعمى يعترف اعترافا جديدا بيسوع، ويقر بانه هو رجل الله الذي لم يوجد غيره في اسرائيل يقدر ان يصنع هذا الشيء. وقبلها اعترف بانه نبي. الفريسيون من كلامه يطردوه من المجمع بعد ان قالوا له انت تريد ان تعلمنا وكلك ولدت في الخطايا. كثير منا عندما نريد منهم ان يسيروا في الطريق الصحيح يولمهم وكانه يفكرون في انفسهم اننا لا نريد شيئا لخيرهم بل لشرهم وعليه يطردوننا من حياتهم. نعم عندما نؤمن بالمسيح ونتبعه تحدث لنا الاضطهادات ونفقد اصدقائنا وحتى ايضا حياتنا. طوبى لكم اذا عيروكم من اجل اسمي. الاعمى طرد من مجمعهم ولم يهتم لطرده من مجمع اليهود. بل خرج وهو ممتلىء سعادة وفرح من اجل اسم المسيح ولن يخاف. السبب هو انه فضل ان يصبح تلميذ يسوع افضل ام يكون تلميذ الفريسيين. التقى بيسوع مرة ثانية بعد ان علم انه طرد من مجمع الفريسيين. قال له يسوع اتؤمن بابن الانسان. اجاب الاعمى من هو يا سيد فامن به. هنا في هذه المرة الرجل الاعمى راى يسوع وجها لوجه. لكن في المرة التي ذهب ليغتسل في بركة سلوام لم يرى وجه يسوع بل ذهب فورا من عند يسوع. يسوع اجابه قد رايته هو الذي يكلمك. فقال الاعمى امنت يا رب وسجد له. الرجل يقدم الاحترام والتقدير والسجود الواجب تقديمه الى الله. فطوبى لهذا الاعمى الذي راى يسوع راى الله راى المخلص والفادي والشفيع. هذا الاعمى اعترف من كل قلبه ان يؤمن به ايمانا كاملا وبدون تردد ويحتمل العذاب والاضطهاد من اجل يسوع الذي اتى ليجمع شمل البشرية كلها وياخذهم معه الى السماء والمشاركة في حياة الله والقداسة. الاعمى هذا وقف امام اليهود بعزم ولم يخاف ابدا، بمعنى انه لم يفكر ما هو العقاب الذي سياخذه من الفريسيون، ففضل العيش مع المسيح افضل من العيش مع اليهود القساة. الاعمى لم يسترد عينيه الجسديتين فقط، بل بصيرته الروحية لما اعترف بيسوع نبيا وربا. هؤلاء اليهود بالرغم هم يبصرون لكن في الاصل هم عميان القلب والفكر والنظر والروح. يريدون البقاء والعيش في الظلمات والهلاك، ويبقون عاجزين عن رؤية الخلاص الذي جاء به يسوع. يريدون ان يتمسكون بحياتهم المزيفة التي لا خلاص لها. نعم الكثير منا لا يريدون الخروج الى النور بسبب ان اعمالهم تنكشف امام الله والناس. الفريسيون ادعوا القدرة على الابصار لكن في الحقيقية هم عميان روحيا. نحن نبصر ولكن تجدنا نسير في الطريق الخطئ او الغير الصحيح والسبب هو اذا خرجنا الى النور سوف تفتضح اعمالنا السيئة ولكن ان كنا عميان مثل هذا الاعمى ونبصر تجدنا نؤمن ونبلغ ونشفي من امراضنا. اذا قلنا اننا نبصر، فالخطيئة باقية فينا، لانه نعتمد على ما عندنا من تكبر وانتفاخ في الروح والفكر. الافضل ان نكون عميان لكي يشفينا يسوع من امراضنا ونؤمن به. قال له المجد اني جئت هذا العالم لاصدار حكم ان يبصر الذين لا يبصرون ويعمى الذين يبصرون. الفريسيين سمعوا كلام يسوع الذين كانوا واقفين بجانبه. فقالوا له أفنحن عميان؟ قال لهم يسوع لو كنتم عميانا لما كان عليكم خطيئة، ولكنكم تقولون الآن اننا نبصر فخطيئتكم ثابتة. بمعنى انهم عميان من اعمالهم الغير صحيحة، تدل انهم يقيمون وباقون في خطاياهم. والمجد لله امين.