موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٣ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٢

أعظم رحلة في التاريخ: من الناصرة الى بيت لحم

بقلم :
د. عدلي قندح

جَهزا نفسيهما وعلفا اتانهما وتزودا بزاد يكفي لرحلة أربعة أيام، أو لمائة وستين كيلو متر، وانطلقا من الناصرة (شمال فلسطين) إلى بيت لحم (جنوب القدس). كان ذلك قبل حوالي 2012 سنة. كان الرجل نجاراً من أهالي الريف الفلسطيني آنذاك، ومن أهم صفاته المميزة: الورع والنظام والجد في العمل، رجلٌ يدعى يوسف. وعلى الرغم من الخفاء والصمت والتواضع الذي أحاطه به كتاب الأناجيل، فإن له مكانة مهمة وكبيرة في التاريخ. أما المرأة فكانت حبلى بشهرها التاسع وعمرها حوالي ستة عشر عاماً، وتدعى مريم، وهو اسم شائع في فلسطين آنذاك، معناه "السيدة". ومن أهم صفاتها المميزة: الورع والإيمان والعفة والطاعة والطهارة. كان الهدف من الرحلة نوعا من الالتزام بأمر "سلطات الاحتلال الروماني" آنذاك، وليس للاستكشاف أو السياحة. وكان كلا الشخصين فقيرين بلا مراء، على الرغم من أن نسبهما يصل إلى بيت داوود، كما جاء في إنجيل متى (1: 1-16) وإنجيل لوقا (3: 23-38). وكما جاء في رسالة القديس بولس إلى أهل رومة (1/3). أما المدينة التي قصداها، بيت لحم، فهي مسقط رأس الملك العظيم "فإن افتقدني أبوك فقل له أن داوود استأذنني في الذهاب إلى بيت لحم مدينته لأن لعشيرته كلها هنالك ذبيحة سنوية" (ملوك 20/6، 28). ففي حقول تلك المدينة، كما جاء في سفر راعوت وفي إحدى ليالي الحب، قبل حوالي أكثر من ألف سنة قبل ميلاد الطفل الفادي يسوع، كانت راعوت، وهي الفتاة المؤابية، تلتقط السنابل في ارض بوعز، فلما راءها أحبها وهو السيد وتزوجها وجاء عوبيد الذي ولد يسى ذاك الجذع المتين الذي كان داوود أجمل فروعه" (سفر راعوت/ 1-4). أما المسافة بين الناصرة وبيت لحم فهي 160 كيلومتر تقريباً، وكانت الطريق بالطبع وعرة جداً، فلم تكن الإمبراطورية الرومانية قد رأت ضرورة تعبيدها أو رصفها وفقاً لأساليبها الخاصة. أما الوقت اللازم لقطع المسافة بين المدينتين فكان حوالي أربعة أيام على ظهر الحمار باتجاه الجنوب. وكان على المسافر أن يتوغل جنوباً من قرية لأخرى للوصول إلى بيت لحم: أي "بيت الخبز" بحسب المدلول الشعبي واللغة السريانية، وكانت تعرف "افراتة" أي الكثيرة الفواكة. تلك المدينة التي قال فيها ميخا يوماً: "وأنت يا بيت لحم أفراتة، انك الصغيرة في ألوف يهوذا، ولكن منك يخرج لي من يكون متسلطاً على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل" (ميخا 5/2). ولما كان هذان الشخصان مؤمنان بالكتب والنبؤات، فإنه بلا شك كانا قد أدركا بأن أمر أغسطس قيصر بالقيام بإحصاء جميع المسكونة كان لكي يتحقق ما كان مكتوباً منذ القدم، فنوايا الله تبقى مطوية عن البشر، حتى يشاء العظيم لها أن تكون. وبعد أن قطعا المسافة، والتي من المؤكد أن يوسف قد قطعها مشياً على الأقدام لأن خطيبته كانت حاملاً، وصلا إلى بيت لحم ولم يجدا مكاناً يأنسا إليه. فقد كان النزل، كما سماه لوقا، من المحتمل أن يكون قد حل مكان "خان كنعان" الجلعاوي، ابن أحد أصدقاء داوود الذي شيده لإيواء قطعانه قبل الميلاد بعشرة قرون، لم يستطيعا أن يأنسا هناك بسبب الازدحام الذي سدَ المسالك كلها. فما كان من يوسف إلا أن انتحى مريم بعيداً، وفي تلك الليلة حانت ساعة ولادتها بعد أن أتمت أيام وضعها. وكما جاء في الإنجيل، فقد أخذها يوسف إلى أحد المغاور التي كانت تستخدم زرائب للمواشي. فلنتخيل الموقف قليلاً: امرأة متعبة من السفر، حانت ساعتها لتلد، ولم تجد امرأة بجانبها، كل ذلك أدى باللاهوتيين لاستخلاص الشيء الكثير فيما يتعلق بالظروف الإعجازية التي أحاطت بميلاد الطفل يسوع. ولما ولدت طفلها لفته وأضجعته في مذود. أما المذود فهو ضرب من المعالف بشكل الزورق، يكون فيه عليق الدواب، وهكذا انتهت الرحلة، وبهذه الظروف تجسد الله. فماذا يمكن أن نتحدث عن هذه الرحلة؟! وكم من النبؤآت تحققت بهذه الرحلة؟! وما هي عبر هذه الرحلة؟ كل ذلك يجعلنا نقول: عندما يريد الله أن يحقق أمراً ما فإنه يُهيء جميع الظروف بدءاً من الجماد والحيوان ووصولاً إلى الإنسان، ويجعلها جميعاً آلات طيعة بيده لتحقيق ذلك الأمر. في نهاية الرحلة نقول: كانت تلك الرحلة لكي يتجسد الله، ويأتي المخلص، وانتهت بالتقاء الله مع الإنسان. فقد اختار الله أحسن خلائقه ليصبح مثله. وقد أتمت أعظم رحلة في التاريخ وعود الله بالمجيء. أدخلت تلك الرحلة بيت لحم التاريخ من أعظم أبوابه، لتصبح مسقط رأس الإله المتجسد بعد أن كانت مسقط رأس الملك العظيم داوود. وبهذه الرحلة ولد الفادي وابتدأت رحلة خلاص البشرية. وبهذه الرحلة نطقت الكائنات الحية وغير الحية، فقد نطقت السماء: "المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام". ابتدأت الرحلة باثنين وانتهت بثلاثة، مربي يسوع، وأم الله، ويسوع الفادي، وبهذه الرحلة تحققت العديد من المعجزات، ويمكن أن تكون عناوين رئيسية لافتتاحيات الصحف العالمية ولمحطات التلفزة والإذاعات العربية والعالمية وللمواقع الالكترونية والفيسبوك والتويتر وغيرها: عذراء من الناصرة تصبح أم الله ، تجسد الله على شكل إنسان، لا تخافوا أبشركم بفرح عظيم ولد لكم اليوم مخلص وهو المسيح الرب في مدينة داوود "بيت لحم"، محمود عباس يزور الطفل في المغارة، الأردن يهنىء دولة فلسطين بميلاد الفادي. هذه علامة لكم: طفل ملفوف في مذود... ولمزيد من التفاصيل ندعوكم لمطالعة وتأمل قصص الميلاد في الأناجيل، وتحري النبؤات في العهد القديم... ومتابعة الأخبار على المواقع الالكترونية وخاصة موقع أبونا دوت أورغ abouna.org. وكل عام وانتم بألف خير.