موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٤ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٠

أزمة كورونا وتأثيرها على نقص الغذاء والمياه في المنطقة العربية

رئيس ومؤسس منتدى الشرق الأوسط للمياه، وزير المياه والزراعة الأردني السابق

رئيس ومؤسس منتدى الشرق الأوسط للمياه، وزير المياه والزراعة الأردني السابق

د. حازم الناصر :

 

ما أن تنتهي تداعيات أزمة كورونا حتى تبدأ الهزات الارتدادية لهذه الجائحة بالظهور للعلن، من تأثيرات اقتصادية ومالية واجتماعية ولكن وبوقع أكثر قساوةً. ولأن جائحة كورونا تؤثر بجانبي الطلب والتزويد للمنتوجات الزراعية والغذائية، وبالأخص إذ لم يتم إيجاد لقاح وعلاج لهذا الفيروس قبل الخريف القادم، والذي يبدو انهُ السيناريو الأكثر احتمالاً لدى العديد من الدول. وبالتالي فمن الممكن ان يتعرض العالم لموجة جديدة من الوباء ستكون أكثر ضراوةً من الموجة الحالية، لأنها ستأتي على ارضية هشة ومنهكة، وخاصة الدول ذات الوضع الاقتصادي والمالي والمؤسسي الضعيف، وستؤدي الى المزيد من المشاكل المالية لموازنات العديد من الدول، إذ عليها ان توازن ما بين ضرورة استيراد السلع الاستراتيجية بأسعار عالية وبنفس الوقت المحافظة على احتياطي النقد الأجنبي.

 

وبالنظر الى سلسلة انتاج الغذاء نجدها معقدة نوعا ما، ابتداء من الزراعة والمزارعين، للعمالة والنقل والخدمات اللوجستية والتصنيع والتخزين والتسويق، وأخيراً المستهلكين. وهذه السلسة الطويلة وحسب ما شاهدناه خلال الأشهر الماضية، تعرضت للضرر والارباك بشكل كبير بسبب إجراءات الحد من فيروس كورونا، فالاختلالات في الجانب اللوجستي خلال إجراءات الحظر قد طالت الكثير من عمليات الإنتاج النباتي مثل القدرة على القطاف والحصاد ونقل المنتوجات الزراعية من مكان الى اخر وتامين البذار وتزويد الاسمدة وعمليات تحضير الأرض والزراعة.. الخ. وكذلك الحال فيما يخص الإنتاج الحيواني من تامين احتياجات المواشي والابقار والدواجن من الاعلاف والمطاعيم او القدرة على الوصول الى المسالخ في الوقت المناسب، وما يترتب على ذلك من زيادة سلبية في قدرة المَزارع على تحمل الاعداد الإضافية، او الإنتاج الحيواني ذي العلاقة مثل الحليب والبيض واللحوم الحمراء. وهذه جميعها قد أدت الى إرباك سلسة الإنتاج الزراعي وسيزداد الوضع سوءا، كلما زادت إجراءات الحظر وعمليات مكافحة فيروس كورونا.

 

ويبدو أن الاضطراب في سلسة انتاج الغذاء ستبدو حقيقية وسنرى نتائجها ابتداء من شهر حزيران القادم، وللتذكير فقط فأن أسعار القمح خلال الازمة المالية العالمية قد شهدت ارتفاعا قياسيا والتي تعتبر لا شيء مقارنة بأزمة كورونا الحالية، حيث بلغ سعر طن القمح في العام ٢٠٠٨ ضعف ما هو عليه الآن. كما وتفيد تقارير الاقتصاد الزراعي القادمة من آسيا، بأن أسعار الأرز قد شهدت ارتفاعاً كبيراً خلال الشهرين الماضيين وبزيادة وصلت الى حوالي ١٢-١٥٪ لترفع سعر طن الأرز لأعلى سعر له منذ العام ٢٠١٣. والسبب ليس في طول فترة الحظر المفروض وانما التوقيت الذي تزامن مع بدء الرزنامة الزراعية للحصاد وزراعة البذار في مناطق آسيا. وما ينطبق على انتاج الأرز في آسيا، ينطبق على انتاج القمح في الولايات المتحدة الأميركية، إذ تشير أسعار بورصة شيكاغو للقمح ارتفاعاً خلال تلك الفترة بلغ ١٥٪، وذلك بسبب تخوف المستهلكين الكبار من عدم قدرة المزارعين على الوصول لمزارعهم لحصاد المحصول بسبب إجراءات الحظر او القدرة على زراعة بذار الموسم القادم إذا استمر وباء كورونا دون إيجاد مصل التطعيم أو العلاج.

 

دول الشرق الأوسط وخاصة العربية منها والتي تستورد معظم احتياجاتها الزراعية والغذائية من الخارج، ستكون الأكثر تأثراً باستمرار تزويد السلع الزراعية الاستراتيجية وبأسعار معقولة، وذلك بسبب الارباك الحاصل في سلسة الإنتاج الزراعي حول العالم من عمالة ونقل وغيره. وستكون هذه الدول مجبرة على الشراء بأسعار اعلى في حال توفر هذه السلع وستكون المنافسة والطلب عليها عاليين، مما يضع هذه الدول مرة أخرى امام تحديات التضخم ورفع الأسعار ودعم السلع وزيادة المديونية، وما يترتب على ذلك من ابعاد سياسية واجتماعية محفوفة بالمخاطر وخاصة عندما ينضم الملايين لخط الفقر وهو ما أكدته منظمة الاسكوا في تقريرها الأخير حيث أفادت بان ٨.٣ مليون عربي سيصبحون تحت خط الفقر بسبب ازمة كورونا. ولعل دول مثل لبنان والسودان وسوريا ومصر والأردن والعراق وفلسطين وتونس والمغرب واليمن ستكون من ضمن هذه الدول المتضررة.

 

المخاطر اعلاه التي تواجهها العديد من الدول العربية والتي تتميز بقلة انتاجها الزراعي وشح مواردها المائية وتباين سياساتها للأمن الغذائي، والذي يختلف عن مفهوم الاكتفاء الذاتي، والذي يعرف، أي الأمن الغذائي، بأنه «حصول جميع السكان في جميع الأوقات على أغذية كافية ومأمونة ومغذية تلبي حاجاتهم وأذواقهم الغذائية لكي يعيشوا حياة ملؤها النشاط والصحة». وضمن هذا المفهوم نجد ان الأمن الغذائي العربي غير مأمون في ظل هذه الازمة، لا سيما وان الأرقام تشير إلى أن نسبة ما تستورده بعض الدول العربية تتراوح بين ٤٠-٩٠٪ من المواد الغذائية، ما يجعلها الأكثر استيراداً للمواد الغذائية في العالم.

 

ويتوقع ان يتعرض العديد من سياسات الامن الغذائي العربي الى هزات بسبب اضطرابات سلسة انتاج الغذاء الزراعي العالمي، مما يحتم على العديد من الدول العودة لسياسات الاكتفاء الذاتي من خلال زراعات وطنية تعتمد على موارد المياه الشحيحة وتنافس قطاعات مياه الشرب التي تعتمد بشكل كبير عليها. فالعودة للزراعات الوطنية للمحاصيل الاستراتيجية سيزيد من حدة مشاكل المياه وخاصة توفرها لأغراض الشرب.

 

ومما يزيد الوضع سوءاً، هو أن الإجراءات الوطنية للتعامل مع وباء كورونا يتطلب المزيد من استهلاك مياه الشرب لأغراض التنظيف والتعقيم وغسيل اليدين، إذ تقدر نسبة هذه الزيادة ما بين ٢٠-٣٠ لتراً للفرد الواحد باليوم وهي كميات غير متوفرة أصلاً ولا بد من تطوير موارد جديدة لها والتي تحتاج المال والوقت. يضاف إلى ذلك أن العديد من المواطنين سيتوجهون للزراعات المنزلية لإنتاج ولو جزء بسيط من استهلاكهم تحسباً لأي طارئ، كما سبق وحصل خلال الأشهر الماضية، وبالتالي المزيد من الضغط على موارد مياه الشرب خلال أشهر الصيف وستكون أكثر قساوةً مما شهدناه سابقاً في العديد من الدول.

 

إن التحديات سابقة الذكر تحتم علينا وضع خطط الطوارئ اللازمة من اقتصادية ومالية وزراعية ولوجستية وصحية وترشيد الاستهلاك، وكذلك التنسيق الإقليمي والدولي للتعامل معها والخروج منها بأقل الأضرار، والتركيز على الشرائح الأكثر احتياجاً وتضرراً من فقراء ونساء وأطفال. كما وعلى الدول إعادة النظر بالخطط الحالية للأمن الغذائي بما في ذلك المخزون الاستراتيجي للسلع الأساسية وكيفية تعزيزها بمنتوجات وطنية بديلة.

 

(الرأي الأردنية)