موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٣ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٠

أحد النسبة

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن

الأحد الذي قبل عيد ميلاد المسيح فصل شريف من بشارة القديس متى (متى 1: 1–25) كتاب ميلادِ يسوعَ المسيحِ ابنِ داود ابن ابراهيم * فابراهيمُ ولد اسحقَ واسحق ولد يعقوب ويعقوبُ ولد يهوذا وإخوتهُ * ويهوذا ولد فارَصَ وزارَح من تامارَ. وفارَصُ ولد حصرونَ وحصرونُ ولد أَرام* وأَرامُ ولد عَمّينا دابَ وعَميّنا دابُ ولد نحشونَ ونحشونُ ولد سَلمونَ * وسلمونُ ولد بُوعَزَ من راحابَ وبوُعَز ولد عوبيدَ من راعوتَ وعُوبيدُ ولد يسَّى ويسَّى ولد داوُدَ الملك * وداودُ الملكُ ولد سليمانَ منَ التي كانت لأُريَّا * وسليمانُ ولد رَحَبعامَ ورَحبعامُ ولد أبِيَّا وأبيا ولد آسا * وآسا ولد يوشافاَط ويوشافاُط ولد يورامَ ويورامُ ولدعُزيَّا* وعُزّيَّا ولد يوتامَ ويوتامُ ولد آحازَ وآحازُ ولد حزقيَّا * وحزقيَّا ولد منسَّى ومنسَّى ولد آمونَ وآمونُ ولد يوشيَّا * ويوشيَّا ولد يكنيَّا وإخوتَهُ في جلاء بابل * ومن بعد جلاء بابل يكنيَّا ولد شأَلتئيلَ وشأَلتئيل ولد زَرُبابلَ * وزربُابل ولد أَبيهودَ وأَبيهودُ ولد أَلياقيمَ وألياقيم ولد عازورَ * وعازورُ ولد صادوقَ وصادوق ولد آخيمَ وآخيمُ ولد أليهودَ * وأَليهود ولد أَلِعازرَ وأَلعازرُ ولد مَتَّانَ ومتَّانُ ولد يعقوب * ويعقوبُ ولد يوسفَ رجلَ مريمَ التي وُلد منها يسوع الذي يُدعىَ المسيح * فكلُّ الأَجيال من ابراهيمَ الى داودَ أربعة عشر جيلاً ومن داودَ الى جلاء بابل أربعةَ عشَر جيلاً ومن جلاء بابل الى المسيح أربعةَ عشَر جيلاً * امَّا مولدُ يسوعَ المسيحِ فكان هكذا. لَّما خُطبت مريمُ امُّهُ ليوسف وُجدت من قبلِ أَن يجتمعا حُبلَى من الروح القدس * واذ كان يوسفُ رجلها صدّيقًا ولم يُرد أن يشهَرَها همَّ بتخليتها سرَّا * وفيما هو متفكرٌ في ذلك اذا بملاكِ الرب ظهر لهُ في الحُلم قائلاً يا يوسفُ ابنَ داود لا تخَف ان تأخذ امرأَتك مريم. فانَّ المولودَ فيها انَّما هو من الروح القدس * وستلِد ابنًا فتسميهِ يسوع فاَّنهُ هو يخلّصُ شعبهُ من خطاياهم * وكان هذا كلُّهُ ليتمَّ ما قيل من الربّ بالنبّي القائل: ها إنَّ العذراء تحبلُ وتلد ابنًا ويُدعى عِمَّانوئيل الذي تفسيُرهُ الله معنا * فلمَّا نهض يوسف من النوم صنع كما امرهُ ملاكُ الربّ. فأَخَذَ امرأَتَهُ * ولم يعرِفها حتَّى ولدتِ ابنَها البكرَ وسمَّاهُ يسوع. بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين أيها الأحباء، نجد سلسلة نسب المسيح في موضعين في الكتاب المقدس: إنجيل متى 1، و إنجيل لوقا 3: 23-38. ويتتبع متى سلسلة نسب المسيح رجوعاً حتى إبراهيم. أما لوقا فيتتبع نسبه رجوعاً إلى آدم. ولكن توجد أسباب تدعونا للإعتقاد أن متى ولوقا في الواقع، يتتبعان سلسلتين مختلفتين تماماً لنسب المسيح. فمثلاً يقول متى أن يوسف إبن يعقوب (متى 16:1)، بينما يقول لوقا أن يوسف إبن هالي (لوقا 23:3). ويتتبع متى سلسلة النسب من خلال سليمان إبن داود (متى 6:1)، بينما يتتبع لوقا النسب من خلال ناثان إبن داود (لوقا 31:3). والحقيقة أن الأسماء الوحيدة المشتركة بين السلسلتين هما شألتيئيل وزربابل (متى 12:1، لوقا 27:3). يقدم يوسيبيوس، المؤرخ الكنسي، تفسيراً لهذا الأمر بأن متى كان يتتبع سلسلة النسب الأساسيةن أو البيولوجية، بينما يضع لوقا في الإعتبار حدوث "زواج الأخ بأرملة أخيه". فقد كان التقليد في ذلك الوقت أنه عند موت رجل لم ينجب أبناء، أن يأخذ أخيه أمرأته زوجة له وعند إنجابهما يحمل الطفل إسم أخيه المتوفي. وبحسب نظرية يوسيبيوس، كان ملكي (لوقا 3: 24) ومتان (متى 1: 15) قد تزوجا في أوقات مختلفة بنفس المرأة (يقول التقليد أنها إستا). وهذا يجعل من هالي (لوقا 3: 23) ويعقوب (متى 1: 15) أخوين غير شقيقين. مات هالي دون أن ينجب إبناً، لذلك تزوج يعقوب أخوه (غير الشقيق) من أرملة هالي، والتي أنجبت يوسف. وبالتالي يكون يوسف "إبن هالي" قانونياً، و"إبن يعقوب" بيولوجياً. وبالتالي أيضاً يكون كل من متى ولوقا يسجلان نفس سلسلة النسب (من جهة يوسف) ولكن يقوم لوقا بتتبع النسب القانوني، ومتى النسب البيولوجي. وقد يتساءل المرء: ما دور يوسف؟ وهل كان من الضروريّ أن يكون هنالك خطيب لمريم والدة الإله؟ طبعاً كان ذلك من الضروريّ، لكي تنجو مريم من خطر الموت، لأنّ الفتاة التي كانت توجد حبلى بدون أن تكون مرتبطةً برجل، زوجٍ أو على الأقلّ خطيب، كان يُحكَم عليها بالموت، كما هو مذكور في سفر تثنية الاشتراع (تث 22:22). وَمن ناحيةٍ ثانية، لأنّ مريم كانت تحتاج إلى رجلٍ يساعدها في خدمة الطفل المولود في كلّ ما يحتاج إليه، لا سيّما في حمايته من اضطهاد هيرودس. أمّا لماذا يوسف بالذّات، وليس سواه من الرّجال، فلا شكّ في أنّ ذلك يعود إلى فضائله. فلو لم يكن يوسف متفوّقاً بالفضيلة على سائر أترابه لمّا اختاره الله لهذه المهمّة المقدّسة. وإشارةً إلى ذلك، يُورِدُ متّى صفة "صدّيق" ليوسف. وهذه الصفة تعني أمرَين: الإنسان الذي لم يظلم أحداً، وأيضاً الإنسان المملوء من الفضائل. نلاحظ طاعة يوسف الكاملة لأوامر الله، إذ بمجرّد استيقاظه من النوم، صنع كما أمره الملاك. لا تردّد. لا ارتياب. لا مساومة. طاعةٌ كاملة. إيمانٌ مطلق. قلبٌ بسيطٌ وطيّب. نفسٌ مؤمنة مسلّمةٌ أمرها لله. هذه النّفس المفعمة بالفضائل استحقّت أن تلعب هذا الدّور المبارَك والمميّز في تاريخ الخلاص، استحقّت أن تخدم سرّ التجسّد الإلهيّ. أحبائي: علينا أن نتذكر في آخرِ السنة يتذكّرُ العالمُ عيدَ الميلادِ المجيد، كلٌّ على طريقته. أمّا نحن في الكنيسة، فنتحضّر لهذا الزمن منذ منتصف تشرين الثاني، ونمدُّه ببشرى سارّةً إلى العالم حتّى يومِ الظّهورِ الإلهيّ، فندعو العالمَ بأسرِه لكي يلبس المسيح. ويقول الرسول بولس متوجّهًا لأهل أفسس: "فلستُم غرباءَ بعدُ ونُزلاءَ، بل مُواطِنو القدِّيسِينَ وأهلُ بيتِ الله. وقد بُنِيتُم على أساسِ الرُّسُلِ والأنبياءِ، وحجرُ الزّاويةِ هو يسوعُ المسيح نفسُهُ، الّذي بهِ يُنسَّقُ البُنيانُ كُلُّهُ، فينمو هيكلًا مقدَّسًا في الربّ. وفيهِ أنتم أيضًا تُبنَونَ معًا مَسكِنًا لله في الروح. هذا كلامٌ يدعونا نحن المؤمنين إلى التّأمُّلِ في معانٍ عدّة، قد يكونُ أهمَّها وَعْيُنا لمسؤوليَّتِنا عن بُنيانِ جسدِ المسيح بالمحبّة التي هي في أساس التجسّد. فالربُّ بِكَلامِه لأهل أفسس لم يفرّق بين المؤمنين الذين افتداهم، بل توجّه نحوهم جميعًا مُدرِكًا أنّ الجسد، بالمواهب التي وُزِّعت على أعضائه، وحدةٌ متراصّةٌ مدعوّةٌ للتجلّي. وفي غمرة إحتفالتنا هناك أسئلةٌ كثيرة من وحي عيدَي الميلاد والظهور الإلهيّ تأتي، وقد شَوّهَتْ وحدةَ جسدِ الرّبِّ مُماحَكاتٌ عدّةٌ ظهرت على المَلَأ، ولم تُؤدِّ إلّا إلى إظهار ضعفاتنا كجماعة، وهشاشةِ تَراصِّنا، بينما نحن بحاجة إلى ما يُلَملِمُ ما انكسر، ويُشدِّدُ ما انعطب، حتّى يتجلّى الرّبُّ في هذه المحبّة. ألَم يَقُلْ: "أَحِبُّوا بعضكم بعضًا فيعرفَ العالمُ أنّكم تلاميذي"؟ وهذا لا يعني أبدًا أن نتغاضى عن خطأ. بل إنّها دعوةٌ لِنتشدّدَ في مُحاسبةِ بعضِنا بعضًا، لكنْ "بلياقة وترتيب". وأخيراً علينا أن نتعلم من مثال يوسف، ونكتسب الفضائل مطيعين وصايا الله، لكي نستحقّ أن نقول للناس: الله معنا... الربّ يسوع المسيح يخلّص النّاس من خطاياهم.