موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٩ ابريل / نيسان ٢٠٢٠

أحد الشعانين

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن
انشغل باستقبال المسيح في قلبك ملكًا عليه، فأنت تحتاج أن يملك الربِ عليك

انشغل باستقبال المسيح في قلبك ملكًا عليه، فأنت تحتاج أن يملك الربِ عليك

 

الرسالة

فصل من رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل فيليبي (4: 4– 9)

 

يا أخوة اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، وَأَقُولُ أَيْضًا: افْرَحُوا. لِيَكُنْ حِلْمُكُمْ مَعْرُوفًا عِنْدَ جَمِيعِ النَّاسِ. اَلرَّبُّ قَرِيبٌ. لاَ تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ، بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى اللهِ. وَسَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْل، يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.أَخِيرًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ كُلُّ مَا هُوَ حَق، كُلُّ مَا هُوَ جَلِيلٌ، كُلُّ مَا هُوَ عَادِلٌ، كُلُّ مَا هُوَ طَاهِرٌ، كُلُّ مَا هُوَ مُسِرٌّ، كُلُّ مَا صِيتُهُ حَسَنٌ، إِنْ كَانَتْ فَضِيلَةٌ وَإِنْ كَانَ مَدْحٌ، فَفِي هذِهِ افْتَكِرُوا. وَمَا تَعَلَّمْتُمُوهُ، وَتَسَلَّمْتُمُوهُ، وَسَمِعْتُمُوهُ، وَرَأَيْتُمُوهُ فِيَّ، فَهذَا افْعَلُوا، وَإِلهُ السَّلاَمِ يَكُونُ مَعَكُمْ.

 

الإنجيل

فصل شريف من بشارة القديس يوحنا (12: 1-18)

 

ثُمَّ قَبْلَ الْفِصْحِ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ أَتَى يَسُوعُ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا، حَيْثُ كَانَ لِعَازَرُ الْمَيْتُ الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ. فَصَنَعُوا لَهُ هُنَاكَ عَشَاءً. وَكَانَتْ مَرْثَا تَخْدِمُ، وَأَمَّا لِعَازَرُ فَكَانَ أَحَدَ الْمُتَّكِئِينَ مَعَهُ. فَأَخَذَتْ مَرْيَمُ مَنًا مِنْ طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ، وَدَهَنَتْ قَدَمَيْ يَسُوعَ، وَمَسَحَتْ قَدَمَيْهِ بِشَعْرِهَا، فَامْتَلأَ الْبَيْتُ مِنْ رَائِحَةِ الطِّيبِ. فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، وَهُوَ يَهُوذَا سِمْعَانُ الإِسْخَرْيُوطِيُّ، الْمُزْمِعُ أَنْ يُسَلِّمَهُ: «لِمَاذَا لَمْ يُبَعْ هذَا الطِّيبُ بِثَلاَثَمِئَةِ دِينَارٍ وَيُعْطَ لِلْفُقَرَاءِ؟» قَالَ هذَا لَيْسَ لأَنَّهُ كَانَ يُبَالِي بِالْفُقَرَاءِ، بَلْ لأَنَّهُ كَانَ سَارِقًا، وَكَانَ الصُّنْدُوقُ عِنْدَهُ، وَكَانَ يَحْمِلُ مَا يُلْقَى فِيهِ. فَقَالَ يَسُوعُ:«اتْرُكُوهَا! إِنَّهَا لِيَوْمِ تَكْفِينِي قَدْ حَفِظَتْهُ، لأَنَّ الْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ». فَعَلِمَ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنَ الْيَهُودِ أَنَّهُ هُنَاكَ، فَجَاءُوا لَيْسَ لأَجْلِ يَسُوعَ فَقَطْ، بَلْ لِيَنْظُرُوا أَيْضًا لِعَازَرَ الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ. فَتَشَاوَرَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ لِيَقْتُلُوا لِعَازَرَ أَيْضًا، لأَنَّ كَثِيرِينَ مِنَ الْيَهُودِ كَانُوا بِسَبَبِهِ يَذْهَبُونَ وَيُؤْمِنُونَ بِيَسُوعَ. وَفِي الْغَدِ سَمِعَ الْجَمْعُ الْكَثِيرُ الَّذِي جَاءَ إِلَى الْعِيدِ أَنَّ يَسُوعَ آتٍ إِلَى أُورُشَلِيمَ، فَأَخَذُوا سُعُوفَ النَّخْلِ وَخَرَجُوا لِلِقَائِهِ، وَكَانُوا يَصْرُخُونَ: «أُوصَنَّا.مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ. مَلِكُ إِسْرَائِيلَ.» وَوَجَدَ يَسُوعُ جَحْشًا فَجَلَسَ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «لاَ تَخَافِي يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي جَالِسًا عَلَى جَحْشٍ أَتَانٍ». وَهذِهِ الأُمُورُ لَمْ يَفْهَمْهَا تَلاَمِيذُهُ أَوَّلاً، وَلكِنْ لَمَّا تَمَجَّدَ يَسُوعُ، حِينَئِذٍ تَذَكَّرُوا أَنَّ هذِهِ كَانَتْ مَكْتُوبَةً عَنْهُ، وَأَنَّهُمْ صَنَعُوا هذِهِ لَهُ. وَكَانَ الْجَمْعُ الَّذِي مَعَهُ يَشْهَدُ أَنَّهُ دَعَا لِعَازَرَ مِنَ الْقَبْرِ وَأَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ. لِهذَا أَيْضًا لاَقَاهُ الْجَمْعُ، لأَنَّهُمْ سَمِعُوا أَنَّهُ كَانَ قَدْ صَنَعَ هذِهِ الآيَةَ.

 

العظة

 

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين

 

أيها الأحباء المقطع الإنجيلي لهذا اليوم المبارك ينقسم الى مقطعين يَذكُران أموراً حصلت في مكانٍ ووقتٍ مختلفَين. أحداث المقطع الأوّل حصلت في بيت عنيا، البلدةِ التي أحيا فيها الربُّ يسوع لعازر، وقد عيّدنا لهذا البارحة، وفيها أنّ أمرأةً تُدعى مريم أخذت رِطلَ طِيبٍ كثير الثمن، وأفاضَتْهُ على قَدَمَيْ يسوع، وعَمَلُها لاقى شَجْباً عَلَنِيّاً مِن يهوذا الإسخريوطيّ، الذي رأى فيه تبذيراً وَهَدْراً مؤسِفاً للمال. أمّا المقطع الثاني فيذكر دخولَ السّيِّدِ الى أورشليم، وهذا عيد أحد الشعانين.

 

لماذا أوضعت الكنيسةُ المقدَّسةُ أن يقراً المقطع الأوّلَ اليوم، ولم تكتفِ بالمقطع الثّاني حول دخول الرّبّ الى أورشليم؟ نصنع اليوم ذكراً لهذه المرأة التي أفاضت طيباً على قدمَيْ يسوع؟ تدخل المرأةُ بِجُرأةٍ أمام الجميع، وقد أتت بقارورةِ عِطرٍ كثيرِ الثَّمَن، لِتَدْهَنَ قَدَمَيْ يسوع! ما هذا المشهدُ الغريبُ في مجتمعٍ يهوديٍّ يَرى المرأة أدنى من الرجل؟  في مجتمعٍ يَشكرُ فيه الرجلُ اللهَ لأنّه خلَقهُ ذَكَراً لا أُنثى.ما الذي حَفَّزَها لهذه الحماسة اللافِتَةِ التي تعرّضها للانتقاد والتحقير؟ وما ردّةُ فعل يهوذا الإسخريوطيِّ إلّا تعبيراً عن هذا الموقفِ المجتمعيَّ الناقد. إلّا أنَّ موقفَ يَسوعَ مختلف: "دَعْهَا، إنَّما حَفِظَتْهُ ليومِ دفني" (يوحنا 12: 7). لقد عَلِمَتِ المرأةُ أنَّ هذا الرّبَّ رَدَّ لها كرامتَها، وإنسانيّتَها، وأعطاها كنزاً لا يُنتزع من قلبها. أفاضت ليس بضعَ قَطَراتٍ بل قارورةً كاملةً، جرّةً مِنَ الطِّيبِ قد يَستغرقُ استِهلاكُها سِنينَ طوالًا.

 

ربما يتسأل المرء: هل الرّبُّ يسوعُ يُحِبُّ النّارَدِين؟ هل يهمّه هذا النوع من العِطرِ لِدَفْنِه؟ طبعاً، لا، فالرّبُّ يسوعُ لَم يُعطِ تلاميذَهُ تعليماتٍ حول تدبير أمور دفنه. ولكن قلب يهوذا لَم يَكُنْ لديه مكانٌ يَتَّسِعُ لِلحُبّ، فالذي يُحِبُّ يُقَدِّر، ولا يرى أيّةَ تقدمةٍ للحبيب الفادي ضَياعاً، لا بل يراها ضئيلةً جدّاً، لا تُذكَر، كعربون شُكرٍ وَحُبٍّ لِلفادي. ولكن، لِمَ هذا الكلام قبل الدُّخول إلى أورشليم.

 

أما المقطع الثاني يتكلم عن دخول السيد له المجد منتصراً كملك الى مدينة أورشليم أو ما يعرف "بالدخول الأنتصاري إلى أورشليم". يبين لنا يوحنا أن اليهود حملوا سعف النخل عندما دخل يسوع إلى اورشليم (يوحنا 12: 13). ويختلف المؤرخون في تحديد زمن بداية مسيرة الشعانين. يظن بعضهم انها ابتدأت في القرن الرابع ويظن آخرون انها لم تكن موجودة قبل القرن الثامن حين استخدم المسيحيون شجر النخل او الزيتون او الصفصاف في مسيرة الشعانين. لم يكن احتفال الشعانين موجودا في المسيحية في القرون الثلاثة الأولى حين عانت الكنيسة اضطهادات كثيرة. اما اليهود فقد حملوا سعف النخل في عدة مناسبات وكما يحدثنا يوحنا حمل اليهود الذين استقبلوا المسيح في اورشليم سعف النخل. بكلمات اخرى ان تقليد حمل سعف النخل هو تعبير كنسي وليس وصية الهية ونحن بحاجة إلى فهم قلب الله والبحث عن افضل وسائل التعبير عن هذا العيد.

 

وعلينا أن نعلم من أين جاءت الكلمة شعانين من اللغة العبرية من "هو شيعه نان" ومعناها يا رب خلص، ومنها الكلمة اليونانية "أوصنا" التي استخدمها االإنجيليون الأربعة في بشارتهم. وهى الكلمة التي كانت تصرخ بها الجموع في خروجهم لاستقبال موكب المسيح وهو في الطريق إلى أورشليم. (ولكن ما هو الربط بين سعف النخل والفصح؟ لا يوجد ربط في العهد القديم بين الفصح وسعف النخل إلا اننا نستطيع ان نفهم استخدامات سعف النخل من كتابات المكابيين. ربما تكون خلف استخدام اليهود لسعف النخل عند دخول يسوع إلى اورشليم). وفي الختام لا تنشغل بالسعف في هذا اليوم، بل انشغل باستقبال المسيح في قلبك ملكًا عليه، فأنت تحتاج أن يملك الربِ عليك، لكي يدبر أهل بيتك حسنا.

 

طروباريَّة الشَّعانِين (اللَّحن الأوَّل): أيُّها المسيحُ الإله، لـمَّا أقَمْتَ لعازَرَ مِنْ بينِ الأمواتِ قبْلَ آلامِك، حَقَّقْتَ القِيامَةَ العامَّة. لذلِكَ، وَنحْنُ كالأطفال، نحمِلُ علاماتِ الغَلبَةِ والظَّفَر، صارِخِينَ نحوكَ يا غالِبَ الموت: أوصَنَّا في الأعالي، مُبارَكٌ الآتي باسمِ الرَّبّ.

 

قنداق أحد الشَّعانِين (اللَّحن السَّادِس): يا مَنْ هُوَ جالِسٌ على العَرْشِ في السَّماء، وراكِبٌ جَحْشًا على الأرض، تَقَبَّلْ تَسابيحَ الملائِكَةِ وتماجِيدَ الأطفال، هاتِفينَ إليكَ أَيُّها المسيحُ الإله: مبارَكٌ أنتَ الآتي، لِتُعِيدَ آدَمَ ثانِية.

 

الشعانين وأسبوع الآلام

 

بالشعانين ندخل إلى الأسبوع العظيم المقدّس. عجبٌ كيف يدخل المسيح ظافرًا إلى آلامه الطوعيّة!

 

الملك يأتي راكبًا على جحش أتان، والأولاد يصرخون هوشعنا لاِبنِ داود. ونحن نذهب للقاء المسيح حاملين صليبَه مع سعف الفضائل. "اليوم نعمة الروح القدس جمعتنا، وكلّنا نرفع صليبك قائلين: مبارك الآتي باسم الرب أوصنا في الأعالي".

 

كلّ شيء في هذا الأسبوع يدلّ على أنّ الألم والفرح حقيقةٌ واحدة. ما هذا العُرسُ الّذي نعيشه في هذا الأسبوع مع المسيح، بانتظار العرس مُكَمَّلًا في الملكوت؟! لقد قال يسوعُ لتلاميذه قبل ذهابه إلى الآلام: "أنتم ستحزنون ولكنّ حزنكم يتحوّل إلى فرح" (يوحنا 16: 20).

 

كما أنّ التلاميذ كانوا يعيشون بعد القيامة "حزانى وهم دائماً فرحون، فقراء ويُغْنُون كثيرين، كأن لا شيء لهم وهم يملكون كلّ شيء" (2 كورنثوس 6:10). العُرسُ بيننا وبين المسيح مستمرٌّ دائمٌ. السيّد يتزوّج كنيستَه العروسةَ بِدَمِهِ على الصليب. كما يتزوّجُ كلَّ نفسٍ تَوَدُّهُ حبيباً. "إنّني أُشاهدُ خِدرَكَ مزَّيناً يا مخلّصي. ولست أمتلكُ لباساً للدخول إليه. فأَبهِجْ حُلّةَ نفسي يا مانح النُّورِ وخلّصني".

 

أحبائي: كلُّ هذا  يقتضي الألمَ والفرح معًا. هذا هو سرّ الحياة. فلا نتعجّبْ من الأحداث الأليمة الحاضرة في بلادنا. كما أرجو مِنكم أن لا تيأسوا أبداً. المسيحُ، معلِّمُنا الوحيد، بآلامِهِ وبِغَلَبَتِهِ على الموت يَحثُّنا على الرجاء. هذه الأعيادُ تجري أوّلاً في القلب، إن لم تَحُثَّنا على الرّجاءِ في وسط المعاناةِ فلا نَفْعَ مِنها. لا تَنْسَوا الحقيقةَ الأخيرةَ الإيمانيّة "بالصليب  قد أتى الفرح لكلّ العالم".