موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٥ ابريل / نيسان ٢٠٢٠

أحد الشعانين: ملكنا آتٍ

بقلم :
المطران كريكور كوسا - مصر
لا يزال يسوع إلى اليوم راكبًا الحمار ينتظر الدخول إلى "أورشليم" كل واحدٍ منا

لا يزال يسوع إلى اليوم راكبًا الحمار ينتظر الدخول إلى "أورشليم" كل واحدٍ منا

 

"تَباركَ الآتي باسم الرَّب هُوشَعْنا في العُلى" (متى ٢١: ١١)

 

بهذا النشيد رحبَّ الأطفال والمساكين والضعفاء بيسوع ملك السلام وهو داخل إلى اورشليم. بهذه الحفاوة استقبل الناس غير المتفرجين دخول موكب المخلِّص المنتظر ليسيروا وراءه ويقتدوا به ويدعموا رسالته وتعاليمه.

 

كثيرون خرجوا ليروا موكب الملك السماويّ الذي يجول شوارع اورشليم بدون حرسٍ ولا جنود يحملون الأسلحة ولا دبابات ولا مدرعات ولا أي نوع من انواع الأسلحة القاتلة.

 

موكب الملوك ورؤساء الجمهوريات مُخيف، تُغلَق الطرقات هنا وهناك، ويَفترِشُ الجيش أسطحة المباني وزوايا الساحات والميادين لئلاّ يغتال احد المارين معارضين كانو أمّ أعداء الرئيس أو المسؤول.

 

امّا موكب يسوع فكان موكباً لا يُخيف، موكباً يشّعُ منه السلام والأمان والطمأنينة، ويزرع في القلوب المحبّة والفرح والثقة المتبادلة بينه وبين الذين أتى من أجلهم لِتكونَ عندهم الحياة أفضل "أُمّاً أنا فقد أتيتُ لِتكونَ الحياة للناس، وتَفيضَ فيهم" (يوحنا ١٠: ١٠). هذا الملك قال علانيةً وصراحةً أمام بيلاطس: "ليست مملكتي من هذا العالم" (يوحنا ١٨: ٣٦).

 

الجميع يخاف من الملوك والرؤساء، لأنهم حُكام يتسلطون بحزم وعنف وقساوة على البشر، وكثيراً ما يعذبونهم ويضطهدونهم ظلماً. ولا يهتمون إذا نام الناس جائعين وليس عندهم  خُبزاً للعيش. لكن ملكنا يختلف كُل الإختلاف عن هؤلاء، فهو محب، رحومٌ، صبورٌ، غَفُورٌ ولا يَطلُبُ مِنّا شيئاً، بل ياتينا متواضعاً ليهتم بنا ويحمل أوجاعنا ومخاوفنا ويغفر لنا خطايانا ويدعونا إلى السعادة والكمال.

 

موكب يسوع يأتينا برأفةٍ وحنانٍ وبطيبة قلبٍ، رحوم ورؤوف وحنون. موكب يسوع اليوم هو موكب يحمِلُ بين ثناياه الخلاص. من خلاله يدخل الله إلى قلب كُلِّ إنسان بمودةٍ وبساطة.

 

يسوع هو ملك، "ملك السلام"، يدخل اليوم إلى اورشليم، "مدينة السلام"، المدينة التي لم تعرف السلام إلى اليوم. يدخلُ المدينة المقدسة على حمارٍ، والشعب يستقبله بأغصان الزيتون وسعف النخيل التي ترمز للسلام والفرح والسعادة. هذه هي علامات الملك المتواضع الذي يُريد رسُلاً مبشرين بالسّلام والمحبّة "طوبى للسَّاعين إلى السلام" (متى ٥: ١٠) يسوع يُريد في موكبه كُلّ الذين شفاهم: العميان والكسحان  والبكم والبرص... يُريد العشارون وكل الخطأة.

 

كثيرون كانوا على الطريق المؤدي إلى اروشليم ينظرون إلى يسوع، وكثيرون رفعوا أغصان الزيتون وهتفوا للملك: "هوشَعْنا لابن داود! تَباركَ الآتي باسمِ الرَّب هُوشَعْنا في العُلى!" (متى ٢١: ٩). ولكن ومع الأسف الشديد، هؤلاء كُلّهم تراجعوا ليتركوا يسوع في ساعة الألم والعذاب وحيداً وبلا مُعين. آخرون رفعوا أصواتهم قائلين: "ليُصلَب، ليُصلَب" (يوحنا ٢٣: ٢١)، "دَمُهُ علينا وعلى أولادِنا" (متى ٢٧: ٢٥)، وبطرس نَكَرَهُ، ويهوذا أسلمه إلى الأعداءِ ولم يبقَ معه إلاّ أُمّه مريـم العذراء القدّيسة المتألمة، والقديس يوحنا الحبيب، وبعض النسوة الضعيفات اللواتي لا تقوى إلا على البكاء والبكاء بصمت.

 

اليوم يدعونا يسوع لنسير معه في موكب الشعانين، ونحن ندعوهُ ونرجوهُ ونطلب منهُ قبل أن يدخل إلى اورشليم الأرضية، يدخُل إلى قلوبنا المليئة بالبُغض والحقد والكراهية والأنانية والنميمة والكبرياء والحسد والبخل، ويشفي جروحاتنا وعاهاتنا وأمراضنا الروحيّة والجسديّة.

 

نعم، لكل واحدٍ منّا أورشليم خاصة به، وهي قلبه. يسوع، لا يزال إلى اليوم راكباً الحمار ينتظر الدخول إلى أورشليم كل واحدٍ منا، إلى قلوبِنا ليجّدِّدها ويُبدِّلها ويُغيّرها ويُلبسها حُلّة جديدة نقية طاهرة ولا عيب فيها.

 

اليوم، يسوع يدخل اورشليم وكُلُّ الأنظار متجهةً إليه.

 

في إستقبال يسوع الملك إلى جانب من سنقف: إلى جانب الأطفال المبتهجين والمنشدين والهاتفين: "تَباركَ الآتي، الْمَلِكُ، باسم الرّبّ! السَّلامُ في السَّماء! والمَجدُ في العُلى!" (لوقا ١٩: ٣٨)، أم إلى جانب الفريسيين الغاضبين؟ لنتذكّر جيدًا، إن لم نستقبل يسوع بالمحبة والصلوات والترانيم والأعمال الصالِحة، فستتكلّم الحِجَارَة، "أقولُ لكم: لو سَكَتَ هؤلاء، لهتفت الحِجَارَة!" (لوقا ١٩: ٤٠) لتعلن ملكوت الله "حان الوقتُ واقْتَربَ مَلكوتُ الله، فتوبوا وآمنوا بالبِشارة" (مرقس ١: ١٥).

 

+ المطران كريكور اوغسطينوس كوسا، أسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك