موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٣ يونيو / حزيران ٢٠٢٣

يوم مكافحة التنمّر الإلكتروني

هي دعوة للتفكير الجدي، المجتمعيّ والوطنيّ، بكيفية تقليص هذه الممارسات

هي دعوة للتفكير الجدي، المجتمعيّ والوطنيّ، بكيفية تقليص هذه الممارسات

الاب رفعت بدر :

 

مع اقتراب الجمعة الثالثة من حزيران، نقترب من اليوم العالمي للتصدي لظاهرة التنمر الإلكتروني Stop Cyberbullying Day، الذي تمّ إقراره في الأمم المتحدة منذ عام 2012. ومع مرور السنوات، نجد الأمر اصبح موجودًا وبكثرة مضاعفة، ووجب التنبّه الى الأمر ليس بيوم فحسب، بل وفي كل أيام السنة.

 

وإنّ هذه المناسبة هي أولاً مناسبة للتوعيّة، وبالأخص لطلاب المدارس، وهم ينهون سنتهم الدراسيّة، أو يبدؤون العطلة الصيفيّة، لكي لا يكون التنمّر منفذًا ووسيلة لتمضية أوقات فراغهم، ذلك أنّ التنمّر موجود في المدارس والجامعات، وأحيانًا كثيرة يضع أثقالاً كبيرة على المُتنمّر عليهم، وبالأخص صغار السن الذين يشعرون بالنقص، ومن «الإذلال» الذي يتعرّضون له إبان تعرضهم لأعمال التنمّر من أقرانهم وزملائهم في المدرسة.

 

وللتذكير فإنّ التنمّر الإلكتروني هو كل قصص كذب منشورة على الفضاء الالكتروني، وكل إساءة لفظيّة أو إشارة أو استخدام صور أو استفزاز وابتزاز الآخرين بكلمات أو صور أو مواقف، يستفزون بها الضعفاء لكي يجعلوا منهم مادة للتندّر والضحك والاستخفاف والاستهزاء. وهذا يسبّب الحرج وعقدًا نفسيّة وعقلية، ويؤثر على نوم الإنسان وحياته الطبيعية. لا بل إنّ أطفالاً وشبابًا كثر يفكرون أحيانًا بالانتحار نظرًا للهجوم الصارخ عليهم في مواقع التواصل الإجتماعي.

 

نريد من هذا النهار -ولا أعلم إن كانت هنالك خطط عامّة لإحيائه على مستوى مجتمعنا- أن ننبّه الأجيال الطالعة إلى ضرورة استخدام وسائل التواصل بطريقة حذرة، وبطريقة إنسانيّة وأخلاقيّة، لكي لا تسيء أبدًا إلى حق الإنسان في عيش كريم وسليم وهادىء وخالٍ من المؤثرات السلبيّة على حياته.

 

ثانيًا هي دعوة للتفكير الجدي، المجتمعيّ والوطنيّ، بكيفية تقليص هذه الممارسات التي يمارسها الكثير من مستخدمي وسائل التواصل الإجتماعي. وهنا أشيد بما قدّمه المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام، الذي يحيي هذا العام مرور عشر سنوات على إنشائه، من مبادرات شبابيّة وورشات عمل استهدفت العديد من طلاب الجامعات، وكانت دائمًا تحمل شعارًا رائدًا، في «كيفيّة استخدام وسائل التواصل من أجل خلق ثقافة اللقاء»، وهذا المصطلح من البابا يوحنا بولس الثاني وتطوّر في عهد البابا بندكتس السادس عشر، إلى أن يصل إلى الاستخدامات المتتاليّة للبابا فرنسيس.

 

إنّ ثقافة اللقاء تعني أن يتمتّع الإنسان بهذه الروح الطيبة، وليس فقط الإتيكيت الذي أحيانًا كثيرة يدلّ على مجموعة من التعليمات التي على الإنسان أن يمارسها عند اللقاء مع الآخرين، لكن هنالك ثقافة من الداخل، احترام من قلب الإنسان كما يقول الإنجيل: «وأما الذي يخرج من الفم، فإنه ينبعث من القلب، وهو الذي ينجس الإنسان. فمن القلب تنبعث المقاصد السيئة...» (متّى 15: 18).

 

وأخيرًا هي مناسبة للإشادة بالجهود الأمنيّة لمكافحة ليس فقط التنمّر، وإنما الجرائم الإلكترونية بشكل عام، الأمر الذي لم يكن موجودًا منذ عدة سنوات، ولكنه اليوم ممارس بشكل شبه يومي. كيف نحدّ من ظاهرة التنمّر وكافة أنواع الجرائم الإلكترونيّة وبالأخص استفزاز الإنسان من خلال صور له قديمة أو مآخذ عليه، او ببساطة عبر اختلاق القصص المزيّفة عنه؟.

 

علينا فعلاً أن نشيد بعمل «الوحدة» الموجودة منذ عام 2008 والتابعة لدائرة البحث الجنائي في الأمن العام، وهي وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونيّة، وقد استفاد العديد من الأشخاص من خدماتها في سبيل إعادة حياتهم إلى طبيعتها وتوازنها واتزانها الذي تم خدشه من خلال الجريمة المرتكبة بحقهم. وفي البيان المنشور لهذه الوحدة مع بداية هذا العام، قالت بانها تعاملت العام الماضي 2022 مع 16027 قضية، اي بزيادة ستة اضعاف عن السنوات الماضية، وهذا يدلّ طبعًا على تزايد هذا النوع من «الجريمة»، ولكن أيضًا على وعي الناس بواجب التبليغ عن ا?إساءات، وعلى ثقتهم بوحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية.

 

لنفكّر معًا أيها الأصدقاء في كيفية تقليص، لا بل إزالة، هذه الآفة من مجتمعنا، أعني بها التنمّر الإلكتروني، فقد جلب لنا ولمجتمعنا وبيوتنا متاعب كثيرة، مع أنّ وسائل الإعلام الحديثة والتقليدية، قد وجدت لتخدم، لا لتهدم، حياة الإنسان وكرامته المقدّسة من قداسة خالقها.