موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢٣ ابريل / نيسان ٢٠١٨

وهل عشر دقائق كافية يا بغداد؟

الأب رفعـــت بدر :

كان الشوق كبيرًا في أن أذهب إلى العراق للمرة الأولى. ولكنّ هذا الشوق قد تلاشى وتحطم ما إن وطئت قدماي أرض مطار بغداد. ليطلب مني ومن الشيخ الدكتور حسان أبوعرقوب العودة، مع السيدتين لمى الميخي وتريزا العودات، وجمعينا متوجهون مع وفد ألماني منظم من مؤسسة giz للتعاون الدولي الألمانية، وبطريقة تقترب من الوحشية، بأن نغادر فورًا أرض العراق، لأننا عرب، والعرب كما تقول وثيقة، تم الافصاح عنها حين وصولنا، مستثنيون من دخول البلد الشقي-ق. وتبيّن بأن خطأ كان مع المنسق في الأراضي العراقية، وهو لم يميّز ما بين فيزا أعطيت للعرب دون غيرهم، وقد أصبحت منتهية الصلاحية، وفيزا أخرى للأجانب واستثنت العرب، دون الانتباه إلى ذلك، ولنقل أنّ القانون لا يحمي المغفلين القادمين فجرًا. عشر دقائق فقط هي المدة التي تم اعطاؤها لنا في مطار بغداد، لمغادرته، وهنا تعود الذاكرة إلى مهجري الموصل الذين حين سكنوا بيوتنا وكنائسنا ومدارسنا كانوا يخبروننا في الأردن العظيم، كم كان الدواعش قاسين عليهم في بلد منشأهم، فمنحوهم مهلة 24 وعشرين ساعة لمغادرة الموصل ، وإلااااا. أما نحن العرب الأردنيين فقد تم التمنّن علينا بعشر دقائق فقط للترحيل. وخلالها توجب عليك أن تجلب حقائب السفر المليئة بالأوراق والوثائق التي سنساعد فيها اخوتنا واشقاءنا على الخروج من العقد التي خلفها الدواعش في قلوبهم. وعشر دقائق حاولت فيها الوصول إلى من أملك أرقامهم، من وزير خارجيتنا إلى الأمين العام للوزارة، إلى سفيرة العراق في الأردن، إلى القنصل، إلى بطريرك الكلدان. والكل لا يجيب، وفي ذلك لربما عذر إذ إن الوقت مبكر. أما مسؤولو المطار من الأشقاء، فالقسوة لم تفارقهم، يالله يالله... عالطيارة، بسرعة! وكنا نقول لهم على مهلكم فنحن بشر مثلنا مثل الأجانب الذين تقبلونهم في دياركم. على مهلكم فسنحل الأمر عندكم، لكنّ مهلة العشر دقائق قد انتهت. لماذا إذًا اعطيتمونا شرف الفيزا والموافقة؟ والأمر المخجل أن تكون الأردنية تريزيا قادمة مع زميلتها الألمانية برايكا... فتستقبل برايكا بأحضان العراق، بينما يطلب من تريزيا مغادرة العراق بطريقة كريهة كما وصفت الأمر لمعالي وزير الخارجية. وقد كانت برايكا خائفة من الذهاب إلى العراق، للمرة الأولى، بينما تريزيا تشحذ الهمم عندها، وتقول لها تشجعي العراقيون طيّبون جدًا. وقد انقلبت الموازين عند مطار بغداد، فدخلت برايكا بينما تريزيا عادت على متن طائرتها إلى أحضان وطنها. نعود إلى طائرتنا الملكية التي نحمّلها بعضًا من الهمّ والخطأ، بأن كيف تأخذون معكم فيزا منتهية الصلاحية، ألا يجدر بكم التحقق من المسافرين قبل الصعود على مدرجاتكم؟ وقبل الإقلاع، بل الترحيل، تغني زين عوض: "يالله يالله عالأردن". غني يا زين: فليس مكان أثمن من الوطن No place like home... وهم وجدوا في الأردن home يأخذ عنهم همومهم... ونحن أخذنا 10 دقائق من وقتهم الثمين وأوراق تقول استثناء التالية "أرقامهم" وليس حتى اسماؤهم كونهم عرب الجنسية. والأمر المخجل أن يكون المنسق العراقي المدعو "عبد الواسع": قد كان يعرف ولكنه لم يخبر أعضاء الوفد من العرب تخصيصًا بأنه ممنوع عليهم دخول بلاده. غني يا زين: يالله عالأردن. اربطوا الأحزمة... فقد قالها عراقي ختيار قبل أيام على فضائيات العرب: نعم لقد تخلصنا من عدو اسمه داعش، وبقي علينا العدو الأكبر وهو الفساد. و لقد رأيته -أي الفساد- اليوم في إدخال الأجانب وترحيل العرب. فهل هنالك من مفسدة أكبر من هذه؟ ألم يكن ممكنًا إيجاد شخص حكيم في المطار، يقول هؤلاء أردنيون، استقبلوا أبناء دمنا وعراقنا، ولن نسمح بأن يغادروا بلدنا دون، على الأقل، فنجان قهوة محبة صباحية؟ عدت فوجدت وزير الخارجية الذي كان على سفر، مهتمًا جدًا بما أرسلته له من على بوابة الترحيل، وأوعز إلى كوادر الوزارة الكريمة الاهتمام بالأمر. وحصل ذلك. ووجدت أنّ سفيرة العراق لدينا مهتمة هي أيضًا، ومتأسفة على ما حصل مع رجلي دين مسلم ومسيحي وسيدتين تركوا بيوتهم فجرًا لكي يخدموا أخوة لهم في العراق الماجد. لا أنكر الاهتمام الرسمي بالأمر، ولكنّ في القلب تأثرًا كبيرًا، على أوضاع وصلت اليها أحوال العرب، وصارت بلداننا تلفظ الأشقاء ولا تسمح لهم بأكثر من عشر دقائق. وهل تكفي عشر دقائق، يا بغداد، لنجلب لك من عمّان حبًّا وتقديرًا وشوقًا من الأشقاء؟