موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٢ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٣

وما زالت المحبة غائبة

أما أنت يا برفيريوس، أسقف غزة التي أحببتها وأحبتك، فصلّ من علياء السماء من أجل شعبك

أما أنت يا برفيريوس، أسقف غزة التي أحببتها وأحبتك، فصلّ من علياء السماء من أجل شعبك

الاب رفعت بدر :

 

عاش برفيريوس قديس غزة، ثلاثة وسبعين عامًا، في القرنين الرابع والخامس للميلاد، طيّب المعشر، متواضعًا، ورعًا، ومحاربًا بلا هوادة عبادة الأوثان، فحطم هياكلها وأصنامها، من أجل دفاعه عن عبادة الله الحيّ الواحد. وبنى كنيسته هناك، بدعم من الإمبراطورة الرومانية، وأجلّه أهل غزة، بمسيحييهم الذين ما زالوا يعتبرونه إلى اليوم أباهم الروحي.

 

وتشاء آلة القمع الإسرائيلية أن تطال الكنيسة التي بناها برفيريوس، وحملت من القرن الحادي عشر اسمه، بعد تجديدها، وأن يسقط شهداء، وتختلط دماؤهم بدماء أخوة لهم في العروبة والعبادة لله الواحد، وبالأمل والرجاء بالخلاص من إرهاب الإحتلال.

 

وتقول كتب التاريخ، أنّ برفيريوس الذي كان عليل الجسم، وشفي بمعجزة إلهية، كما أجرى معجزات عديدة أبهرت الوثنيين، وجعلتهم يغيّرون الرأي العام لديهم، وانتقلوا من آلهة صنمية إلى عبادة الروح، والإعتراف بالإيمان بإله واحد. وأراد تلميذه ومرافقه مرقس الذي كتب فيما بعد سيرة حياته، أن يسنده، فقال له: «ليس مناسباً لي أنا الذي أجول سائلاً غفران خطاياي أن أستند إلى يد إنسان، عسى الله ينظر إلى تعبي، أيها الأخ، ويُشفق عليّ برأفته التي لا يُنطق بها!». ونصلي اليوم هذه الصلاة بلسان حال غزة وأهلها الطيّبين ولكن المتعبين، فيقولون مع برفيروس: «عسى الله ينظر إلى تعبنا أيها الأخوة، ويشفق علينا برأفته التي لا ينطق بها».

 

ومن أجل أن ينظر الله تعالى إلى تعب شعبه، وأمام مشاهد الدمار والموت، والقصف الوحشي على غزة بشكل عام، ولم يسلم منها المستشفيات والكنائس، ومنها بالأمس كنيسة برفيريوس، نقف مخصّصين هذه الأيام، للصلاة والصوم من أجل فلسطين العزيزة، من أجل وقف الحرب والعدوان، ومن أجل السلام والعدالة والطمأنينة.

 

نقف أمام حضرة الرّب الرحيم، مُصلين، مُستغفرين عن الخطايا، وطالبين رحمة الله، وبالأخص في هذه الأيام، لكي تعود المحبة بعد غياب، وتتوقف الإنتهاكات لكرامة الإنسان الحبيب الذي خلقه الرّب القدير على هذه الأرض ليمجده ويسبّح اسمه القدوس، وبالأخص في الأرض المقدّسة التي عاش فيها ربّ المجد، وفيها سار وعلّم وشفى المرضى وأنهض الموتى، وهو نفسه قد تألم وصلب ومات على الصليب، لكنه قام في اليوم الثالث.

 

ونتحد في هذا الأيام، مع المسيحيين والمسلمين في غزة، الذين تختلط دماؤهم وهم يسطّرون فصلًا جديدًا من الصمود والرغبة بالانعتاق والإستقلال، وبالأخص الموجودين الآن في هذه اللحظة، في الملجأ، تحت الكنائس، ونطلب لهم الحماية، والصبر، وقوة العزيمة والإيمان، والمعنويات العاليّة. نعم، هنالك ظلم، وهنالك قتل، وهنالك تدمير. ولكن الرّب قادر أن ينظر من خلف الجدار المغلق السميك، ليبصر معاناة شعبه، وينظر إليهم نظرة رحيمة وشفوقة.

 

نصلي من أجل جهود صنّاع القرار الذين مات الضمير لديهم لكي يوقظه الرب بحكمته، ومن أجل الذين ما زال الضمير صاحيًا لديهم، وعلى رأسهم جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، في تجواله المكوكي بين عواصم العرب والغرب، واحدة تلو الأخرى، يريد أن يرفع صوت فلسطين المخنوق عاليًا، وصوت الإنسانيّة الداعية إلى العدل والسلام. ويقول: أوقفوا الحرب أولاً، وثانيًا أوصلوا المساعدات إلى الفقراء والمشردين والأطفال والمرضى والجرحى.

 

ونتضامن في هذا الزمن، مع كل مدن العالم التي تخرج في هذه الأيام، لتقول كلمة «لا» للحرب والدمار، و«نعم» للأمن والسلام. ونضم صوتنا إلى صوت رؤساء الكنائس وبطاركة القدس، إلى صوت الشرفاء والنبلاء والأصلاء، ونصرخ في الصباحات والمساءات، مع كل كنائس الأردن وفلسطين والشرق والعالم: امنحنا يا ربّ السلام، وارفع الشرّ عن غزة الجريحة، وأهلها الطيبين، وعن الأرض المقدّسة كلها، واطلق سراح الأسرى والسجناء، وعزِّ الثكالى واليتامى والأرامل، وامنح شفاءك العاجل للجرحى والمصابين. أما أنت يا برفيريوس، أسقف غزة التي أحببتها وأحبتك، فصلّ من علياء السماء من أجل شعبك.