موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ١٦ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٣

وما زالت العدالة غائبة

وما زالت العدالة غائبة

وما زالت العدالة غائبة

الأب رفعت بدر :

 

أكتب هذه الكلمات بالقرب من مدينة لاهاي الهولندية، هذه المدينة التي عانت ما عانت في الماضي من استعمار اسباني وبلجيكي وفرنسي، وتعرّضت في الحرب العالمية الثانية إلى قصف بريطاني–كنيران صديقة- وسقط ضحايا بالمئات. وتشرّد منها الناس عبر العصور إلى أن أصبحت اليوم واحدة من أهم المدن الهولندية، ورغم أنها ليست العاصمة لكن مقر الملك وولية العهد، ومعظم الدوائر الحكومية والبرلمان فيها، لكن حضورها الأممي نابع من كونها أصبحت منذ عام 1945 عاصمة للعدالة الدولية، بحكم وجود محكمة العدل الدولية، المعروفة باسمها لاهاي، أو كما تقول العرب في كتابات تاريخية «الهاية».

 

أكتب من عاصمة العدل الدولية، وأفكر بالعدالة الغائبة أو النائمة وفقًا للضمير الدولي. أو العدالة المغيبة والمفصلة بحسب مقاييس بعض الجهات السياسية التي فصلت العدالة كثوب على مقاسها. ومن المفارقات هذه الأيام أن الاحتلال الجاثم كالصخرة على جسم فلسطين، أصبح ضحية في العالم ومثارًا للشفقة عليه، دون أن ينظر العالم إلى الجانب الآخر من غزة الجريحة والسجينة والمهددة، مثل لاهاي بالأمس، للقصف وتهجير أبنائها وبناتها الذين يعيشون أصلاً في سجن كبير منذ سنوات.

 

ولدى مشاركتي بمؤتمر حول الدين ومكافحة الفساد في مدينة «سوستنبرغ» الهولندية في الأيام الماضية، حيث قدمت ورقة بينت فيها جهودنا الأردنية في مكافحة الفساد، مركزًا على دور المؤسّسات الكنسية، وبالأخص المدارس، وكل مؤسّسة تتعامل مع المال، في الحفاظ على النزاهة والمساواة ومحاربة الفساد واجتثاثه من أصوله. لكن المثير للملاحظة مقدار «الفساد» السياسي حين وقفت على مقدار التعاطف الغربي مع قضية إسرائيل في مكافحة «الإرهاب» الفلسطيني. هكذا تقدم وسائل الإعلام الغربية الأمور وهكذا يرى العالم في الغرب، بالقرب من «لاهاي» العدالة من جانب المحتل الذي أصبح بلمح البصر ضحية تاريخية، ويتقن لعب هذا الدور جيدا، ووصل صوت بكائه إلى أقطار العالم الواسعة. وقد شاهدت عددًا من المشاركين يضعون علم بلادهم إلى جوار علم إسرائيل على ربطات عنقهم، وكأن التضامن مع إسرائيل أصبح أمانة معلقة برقابهم.

 

نعم نحن بحاجة إلى عدالة حقيقية، بالنظر إلى مأساة اليوم بعيون التاريخ والمنطق، وأن الأرض التي احتلتها الجيوش قد آن الأوان لتحريرها واستقلالها. ولكننا في الوقت ذاته بحاجة إلى قوة إعلامية، وكما كتب الوزير الصديق اللبناني جورج كلاس قبل أيام: «إننا بحاجة إلى اتباع خطة إعلامية منهجية للتركيز على الشحن الشعبي والمعنوي والتعريف الدائم بالحق، بعيدًا عن التضخيم والتضليل، بالتوازي مع وضع استراتيجية للتصدي لإعلام العدو، وفق رؤية إستباقية متحركة تتزامن مع مخاطر وتطوّرات كل مرحلة من مراحل النزاع."

 

وختامًا، نحن بحاجة إلى السلام، لكنه يبقى غائبًا ما دامت العدالة غائبة، وقد وصف الكتاب المقدس السلام كثمرة للعدل. ويبقى الحلم في أن نرى غدًا غزة وقد أصبحت مثل لاهاي، خارجة من مآسي الزمان ورمزًا للعدالة في العالم. مع صلاتي، من جوار لاهاي، ليعود السلام وشقيقته أو والدته العدالة. يا رب !