موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٠ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٣

وما زال السلام غائبًا

وما زال السلام غائبًا

وما زال السلام غائبًا

الاب رفعت بدر :

 

تشرّفت قبل أسابيع بمرافقة وفد من الحجاج من الأرض المقدّسة في الأردن إلى الأرض المقدّسة في فلسطين، التي أمضيت فيها أصلاً أحد عشر عامًا (من 1984 إلى 1995)، في أيام التحصيل الدراسي والاستعداد للكهنوت المقدس. كل شيء هنالك يحدثك عن العراقة والتاريخ والجذور التي لا تنسى أصولها، أرض مقدّسة تتشرّف بحمل هذا الاسم الكريم. وكم سررت بمشاهدة ربيع سياحي ديني مزدهر، فلا يكاد أي موقع مقدّس يخلو من عشرات الحافلات التي تجمع الحجاج من كل أنحاء العالم.

 

هذا الوجه الجميل له ناحية أخرى، وهي الوجه المتعب الذي يحمل صليبًا ثقيلاً، ويكاد يكون بلا نهاية. لكنّ الأحداث الأخيرة قد فاجأت العالم من جديد، ووضعت القضيّة الفلسطينيّة على أولوية القضايا، ليس فقط الإقليميّة وإنما أيضًا الدوليّة. وبلا شكّ فإنّ الأيام القادمة ستكون صعبة جدًا، وبالأخص على إخوتنا في قطاع غزة. لكنّنا نأمل بأنّها ستشكل ضغطًا على الدول الكبرى، لتصنع خيرا، وتجتمع على كلمة سواء من أجل العدالة والسلام.

 

كنسيًّا، تمت الدعوة إلى إحياء قداديس الأحد للصلاة من أجل السلام المنشود. نعم هو ما زال غائبًا ويبدو بعيدًا، إلا أنّ الكتاب المقدّس يقدّم لنا الطريق إليه، ألا وهو الابتعاد عن الشرّ وعمل الخير، وطلب السلام، والسعي الدائم للوصول إليه (مزمور 34: 14). وما الترنيمة التي نردّدها دائمًا: «يا رب السلام أمطر علينا السلام، يا رب السلام امنح بلادنا السلام»، إلا دعوة على كل لسان طالبين العطيّة العزيزة على قلوبنا جميعًا، ألا وهي السلام.

 

بطريرك القدس بييرباتيستا بيتسابالا الذي ارتقى إلى مرتبة كاردينال، وسيعود من ايطاليا عبر الأردن، قرّر إلغاء احتفالات استقباله في القدس الشريف، وبالأخص في كنيسة القيامة. وأصدرت البطريركيّة اللاتينيّة، ومن ثم رؤساء الكنائس وبطاركة القدس بيانات متعددة، تندّد فيه بالعنف، وتجدّد الدعوة للسلام وللحلول اللاعنفية والسلمية. كما دعى رؤساء الكنائس إلى وقف الانتهاكات لحياة الإنسان، وللمقدّسات بشقيها الإسلامي والمسيحي، الأمر الذي تضاعف في الآونة الأخيرة، ولم يكن يمضي أسبوع دون تدنيس جديد لأحد بيوت العبادة من مساجد وكنائس، واعتداءات وإساءات لفظية تجاه الحجاج في شوارع القدس المقدسة. فيما صدرت بعض الفتاوى اليهودية التي تعتبر «البصاق » على اتباع الديانات الاخرى من الممارسات الحسنة، وتصبّ في صميم بركات الشريعة !

 

ومن الفاتيكان، أصدر البابا فرنسيس صلاة حارة من أجل السلام بين فلسطين وإسرائيل، وعاد ليؤكد مرة جديدة أن العنف واراقة الدماء لا يحلان المشاكل، بل يؤديان إلى موت ومعاناة العديد من الأشخاص الأبرياء.

 

سيبقى السلام غائبًا ما دام العالم يتصرّف وكأن الصراع هو بشكله الطبيعي بين قوتين متساويتين دون أن يتذكر هذا العالم وكباره وقادة الرأي وصناع السياسات فيه، أصل الصراع وهو الاحتلال الذي ما زال جاثمًا على صدر فلسطين، وهو الأساس لكلّ موجة عنف جديدة. وعلى الأسرة الدوليّة أن تعيد المفاوضات إلى دوراتها الماضية، فلا تزهق أرواح جديدة ولا تجد أرض القداسة نفسها في كل فترة مع قوافل جديدة من انتهاك كرامة الانسان واراقة الدماء.

 

باختصار: الاحتلال هو أصل الحكاية وأصل المشكلة، وحله بشكل عادل وحده سينشر دواء السلام والطمأنينة. وهذا هو ما تدعو اليه الدبلوماسية الاردنية الواثقة والهادئة والحكيمة، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني: أعيدوا الحق للشعب الفلسطيني، تجدوا الطمأنينة وراحة البال. وانّ السلام في القدس سيكون مفتاحا للسلام في المنطقة والعالم.