موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١٧ فبراير / شباط ٢٠٢٤

مع برناديت الفقيرة ... في عيدها (17 شباط)

مع برناديت الفقيرة ... في عيدها

مع برناديت الفقيرة ... في عيدها

الأب رفعت بدر :

 

استوقفتني قبل أيام هذه اللوحة في دير الكهنة القائمين على مزار سيدة لورد، في الجنوب الغربي لفرنسا. إنّها تمثل الواقع الذي كان في إحدى الظهورات المريمية. برناديت الطفلة ذات الـ14 ربيعًا، تشدّ الناس بمختلف أطيافهم ومراكزهم الى مغارة مسابييل. منهم القادم بشغف الإيمان إلى المغارة، ليغرف قبسًا من هذا الجمال الذي تتحدّث عنه البنت الصغيرة. ومنهم من جاء لفضول اعتيادي ولا مبالٍ. ومنهم من السلطات الرسميّة المدنيّة والسياسيّة والدينيّة، الرافضة لمبدأ زيارة العذراء عن طريق فتاة صغيرة، فقيرة "ومش شاطرة بدروسها". لذلك يظهر في وسط الصورة أصحاب البدلات وربطات العنق الذين جمعتهم برناديت، مع الناس الفقراء في مكان واحد، الأمر الذي كان نادر الوجود قبل ذلك.

 

دعاني الأب ميشيل دوبان، رئيس الدير، إالى الغداء في غرفة مجاورة لهذه اللوحة، البيت بسيط والغداء يقدّم بفرح ومحبّة، لكنّه ليس مبالغًا به. البساطة جميلة مع اتقان ومحبّة. وقد علقت وقتها على انقطاع الكهرباء في لورد ليلة العيد، الأمر النادر الحدوث أيضًا، فقلت لربّما أرادت مريم أن نعيش لحظات مشابهة لتلك التي عاشتها برناديت قبل 166 عامًا.

 

حين كان نور الإيمان ساطعًا أكثر من أي نور.

 

مسابييل المغارة الصغيرة أصبحت مغناطيسًا جاذبًا للناس من كل حدب وصوب، وقد سألت الأب ميشيل على الغداء نفسه، عن عدد الحجاج الذين أمّوا لورد العام الماضي، فقال لقد تخطينا الـ3 ملايين، الأمر الذي يدلّ على "شفاء" العالم من مرض الكورونا، وعودة السياحة إلى سابق عهدها وأفضل. ولعلنا نعود بالذاكرة القريبة إلى الصور التي كانت تبث من لورد، وتشاهد العذراء وبرناديت لوحدهما بدون ضيوف ولا زوار ولا حجاج.

 

نحن في الشرق مغرومون بالأعداد، لكن في ذلك المكان، يقول الأب ميشيل، يكفي لو أتى حاج واحد وحصل على الفائدة الروحيّة، لاعتبرنا المزار ناجحًا بحاج واحد.

 

التقيت أيضًا بالطبيب الإيطالي أليساندرو، الذي يعمل هنا منذ أكثر من عقدين من الزمن، هو الطبيب الوحيد "في العالم" الذي لا يتعامل مع المرضى، بل مع الأصحّاء، ذلك أنّه يشرف على أوضاع من يحصلون على نعمة الشفاء، في مكان باركته العذراء مريم بحضورها الأمومي، وأصبحت تدعى وبحق "شفاء المرضى"، ولذلك جعلت الكنيسة منذ 32 عامًا عيد سيدة لورد مقرونًا بيوم الصلاة من أجل المرضى، أي في 11 شباط من كل عام.

 

هي البساطة إذًا والتي تتّحد مع الـmagnificat أو العظمة في هذا المكان بخلطة عجيبة لا نستطيع أن نكتشف سحرها إلا بالقلب المتواضع. لذلك أفكر دائمًا بالبابا بندكتس الذي اختار يوم عيد سيدة لورد عام 2013، ليعلن عن "عظمة التواضع" بأن تخلى عن قيادة سفينة القديس بطرس، وهو الذي  حين جاء على شرفة بطرس في الفاتيكان في 19 نيسان عام 2005، قال أنني "عامل متواضع في حقل الرب"... وقد تجلى حين تخلى يوم عيد البساطة العظيمة.

 

شطحت كثيرًا أمام الصورة، وهي جميلة وتعبر إلى القلوب، إذ تعبّر عن واقع الحال في شباط عام 1858... حين جاءت العذراء تسطع بنورها قبل أي كهرباء... وهناك، في شباط الحالي، صليت لجميع الناس المحتاجين لهذا النور... وصليت لأجل أهل غزة ومؤمنيها الذي ما زالوا في داخل الكنيسة يصلون يوميًا المسبحة الوردية، أمام تمثالين للعذراء، سيدة لوخان في الأرجنتين... وأم الله، الشبيهة بسيدة الجبل في عنجرة، ما أجملها حين تنير الكنيسة التي تنقطع عنها الكهرباء يوميًا، وليس لبضع ساعات كما حصل في فرنسا عشية عيد  الظهورات.

 

عذراءنا الجميلة، يا من زرت غزة وأنت هاربة مع ابنك وخطيبك نحو مصر... ويا من زرت لورد قبل 166 عامًا... انيري القلوب الظالمة بنور العدالة والمظلومة بنور الايمان والخائفة بنور الاتكال على عون الرب الرحيم. أما أنت يا أختنا برناديت، يا من تمثلين شعب الله الفقير، ولكن الغني بالإيمان، ويا من تحتفل الكنيسة بعيدك اليوم، أي بعد أسبوع من ظهورات "السيدة الجميلة" لك، فصلِّ لأجلنا!