موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٤ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٣

لهذا يعود البابا فرنسيس إلى الإمارات!

البابا فرنسيس في الإمارات العربيّة المتحدة، شباط عام 2019

البابا فرنسيس في الإمارات العربيّة المتحدة، شباط عام 2019

الاب رفعت بدر :

 

منذ انتخابه قبل عشرة أعوام ونيّف، رسم البابا فرنسيس خطوطًا جديدة في حبريته والتي ستميّزه على مدار تاريخ الكنيسة. ومنها أنّه البابا الأول الذي يزور الإمارات العربيّة المتحدة كأوّل دولة خليجيّة، عقبها زيارة إلى مملكة البحرين قبل عام بالتمام والكمال. وكذلك أنّ الاهتمام البيئيّ للبابا فرنسيس قد جعل منه فعلاً يلقب بـ"البابا الأخضر"، بالإضافة إلى البطريرك المسكوني برتلماوس في القسطنطينية الذي يسمّى بـ"البطريرك الأخضر".

 

إنّ البابا فرنسيس الذي زار الإمارات العربيّة المتحدة في الرابع من شهر شباط عام 2019، قد وقّع مع شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وثيقة هامّة على درب الحوار والإخاء المسيحيّ-الإسلاميّ وهي وثيقة "الأخوّة الإنسانيّة". وقد تضمّنت هذه الوثيقة بعضا من عناصر التلاقي الدينيّ، ومنها قضية البيئة، فقالت الوثيقة: "إنّ الحوار والتفاهم ونشر ثقافة التسامح وقبول الآخر والتعايش بين الناس، من شأنه أن يسهم في احتواءِ كثير من المشكلات الإجتماعيّة والسياسيّة والإقتصاديّة والبيئيّة التي تحاصر جزءًا كبيرًا من البشر". وهكذا وفي الأسبوع الأول من شباط الذي تبنته الأمم المتحدة عام 2010، أسبوعا للوئام بين الأديان، بمبادرة أردنية. تم اختيار الرابع من الشهر ذاته يومًا أمميًا للأخوة الإنسانية، بمبادرة إماراتية.

 

واليوم، وفيما تستعد دولة الإمارات العربيّة، لعقد الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف cop28، بعنوان: "معًا من أجل كوكبنا"، في مدينة اكسبو دبي، فقد أعلن الفاتيكان بأنّ البابا فرنسيس سوف يحلّ في أرض الإمارات، ولكن ليست كما جاءت الزيارة الأولى؛ راعويّة بامتياز، ورسميّة هيأت لإنشاء السفارة البابويّة في أبوظبي في عام 2022 وعيّن لها كأوّل سفير بابوي المطران اللبناني الأصل كريستوف زخيا القسيس. إلا أنّنا اليوم أمام زيارة خاصة، ولعلّها الأولى التي يغادر فيها الحبر الأعظم الحدود الإيطاليّة لتحط طائرته في بلدٍ لحضور مؤتمر دولي كرئيس لدولة حاضرة الفاتيكان. وكذلك سيرافقه في هذه الزيارة الشيخ الطيب وعدد من القيادات الدينيّة الداعمة لقمّة المناخ الدوليّة. وسوف يفتتح البابا فرنسيس في الثاني من كانون الأوّل الجناح الخاص بالأديان في القمّة.

 

هي المرّة الأولى التي تشارك بها القيادات الدينيّة في هذا الحدث الكبير، الذي يتكرّر كلّ أربع سنوات. إنّ الإنذار قد وجّهه البابا في رسالته العامة الأولى حول البيئة في عام 2015 بعنوان: "كن مسبحًا" Laudato si، وفيها بيّن أنّه مهتم جدًا، لا بل قلق جدًا، على المناخ والتغيّرات المناخيّة التي تحدث في العالم، لكنه بيّن الخطوط اللاهوتيّة الكبرى لهذا الاهتمام. وبعد ثمانيّة أعوام، عاد ليوقّع وثيقة جديدة (إرشاد رسولي) بعنوان: "سبّحوا الله" LAUDATE DEUM، ضمّنها معلومات علمية دقيقة، وقال في آخر سطر لها: "سبّحوا الله" هذا هو اسم هذه الرسالة لأنّ الإنسان بطبيعته عليه أن يكون مقرًّا بألوهيّة الله ويعمل كلّ شيء لتسبيح الخالق.

 

لماذا الإهتمام الديني إذًا بالمجال البيئي؟

 

أولاً لأنّ الوقت قد تأخّر كثيرًا على العلاج للمناخ، وهي بمثابة صرخة الاديان لانقاذ الأرض. وثانيًا لأنّ الطبيعة هي من خليقة الله ومن واجب رؤساء الأديان قبل أن يحثّوا القادة على توقيع اتفاقيات تحدّ من ارتفاع درجة حرارة الأرض، وبالأخص 1.5 درجة مئويّة، لكنها تحتاج أيضًا إلى دعم المؤمنين لكي يمجدّوا الله في خلائقه. وستكون زيارة البابا فرنسيس، مع كلّ القيادات الدينيّة المشاركة في هذا المؤتمر، دعمًا لجهود القادة الذين سيحلون ضيوفًا على فخامة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات. وطبعًا سوف يشارك جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين لكي يوقّع مع قادة العالم على واجب اتخاذ الإجراءات التطبيقيّة العمليّة لكي لا تحترق الأرض.

 

وقد تشرّف كاتب هذه السطور بالمشاركة في بداية الشهر الحالي، في المؤتمر الدولي لقادة الأديان، في أبو ظبي، بتنظيم من مجلس حكماء المسلمين، الذي بلا شك قد أبدع بحضوره وفعاليته ومبادراته الدولية، وبالأخص في السنوات الأخيرة، ويرأسه سماحة شيخ الأزهر، وأمينه العام الشاب النشط الدكتور محمد عبد السلام الذي كان من المسهمين الرئيسيين عام 2019، بالتوقيع على وثيقة الأخوّة الإنسانية، وترأس مؤتمر رؤساء الأديان من أجل المناخ. وقد أقرّ هذا المؤتمر رسالة تمثل الصوت الديني الموجه الى رؤساء الدول المشاركين في COP28، لكي يشجعوهم على المضي قدمًا بإنقاذ الأرض.

 

وأخيرًا، سوف تمضي طائرة البابا فرنسيس فوق الشرق الأوسط من جديد، متوجها الى دولة الإمارات، وهو يعلم، انّ هذا الشرق ما زال مشتعلا، وما زال السلام غائبا، وقد كرّر نداءاته الكثيرة الملحّة: "أوقفوا الحرب، لا بل باسم الله احثكم ان اوقفوا الحرب"". ولن نستطيع البحث عن مناخ طبيعي جميل ومفيد ومثمر للبشريّة ما دامت المناخ السياسيّ ملوثا بصوت الدبابات والقصف والتهجير والتدمير. لذلك، نرجو من الله تعالى أن تُسكت آلة الحرب على غزة الحبيبة لكي يتمكّن المشاركون في هذا اللقاء، وعلى الأرض الإماراتيّة الكريمة، من التوقيع على ما يحدّ من ارتفاع درجة حرارة الأرض على الصعيدين البيئي والسياسي.