موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٣ يوليو / تموز ٢٠٢٠

كلمة الأب رفعت بدر في اليوبيل الفضي على رسامته الكهنوتيّة

الأب رفعت بدر يلتقي كلمة الشكر في ختام قداس الاحتفال بيوبيله الفضي الكهنوتي، 2 تموز 2020 (تصوير: أبونا)

الأب رفعت بدر يلتقي كلمة الشكر في ختام قداس الاحتفال بيوبيله الفضي الكهنوتي، 2 تموز 2020 (تصوير: أبونا)

أبونا :

 

أصحاب الغبطة والسيادة الأكارم،

الإخوة الكهنة،

الأخوات الراهبات،

الأخوة المشاركين معنا والمشاهدين عبر قنوات الإعلام،

 

أعود معكم إلى عام 1995، إلى ساحة المعهد الإكليريكي، الذي أمضيت فيه، 11 عامًا. وقبل رسامتي بأيام في حزيران ، كان هنالك حدثٌ مهم، وهو افتتاح وانطلاق سينودس الكنيسة الكاثوليكية في الأرض المقدّسة. وبعدها بأيام صرت كاهنًا للرب على يدي البطريرك ميشيل صبّاح.

 

اعتبرت نفسي من ذلك اليوم كاهنًا سينودسيًا، في قلب الكنيسة المحلية، الكنيسة الحيّة، الكنيسة المؤمنة والواثقة والسائرة بالرغم من أحزان الدهر الحاضر إلى ميناء السلام والقداسة. ومشينا في طريق مقمر ...  سين اودس أي مسيرة السير معًا. كانت الكنيسة في الأرض المقدسة صاحبة مخططات كبيرة، وعلقت الكثير من الآمال على توصيات المخطط الرعوي الذي تسلمه البابا يوحنا بولس الثاني من أيدي رعاتنا سنة اليوبيل الكبير عام 2000. وكنت كذلك ككاهن جديد صاحبَ آمال كثيرة في قلب البطريركيّة اللاتينية. حققت كنيستنا الكثير من توصيات المخطط الرعوي. وما زالت توصيات كثيرة لمّا تتحقق. وتحققت الكثير من آمالي الكهنوتية، وما زال الآخر في غرفة الانتظار.

 

قال لي البطريرك صبّاح في قداس رسامتي:

 

"المجتمع الذي ترسل إليه اليوم، بحاجة إلى وحدة ومحبة، في جميع المستويات: الجماعة المسيحية في ما بينها: في الرعية ذاتها وفي الأبرشية ذاتها، وبين الكنائس المختلفة، بطقوسها وكياناتها الكنسية والمدنية. مجال خدمة المحبة والخدمة المسكونية وخدمة الحوار بين الديانات، هو من أولويات الرسالة اليوم، ولو بدا لك أحيانا بل مرات كثيرة، أنّ السير في هذا الاتجاه هو سير عكس التيّار".

 

وبعد ربع قرن، من ذلك العام السينودسي والكهنوتي، أيّها الأحباء، أقول أمامكم: كان الحُلم جميلاً، وكان الحِمل ثقيلاً. وقد تطلبت الأحداث كثيرًا أن اسير عكس التيار، ولكنها في الوقت ذاته كانت مسيرة جماعيّة، كنسيّة، نبوية، كهنوتية، ملكية. "أنتم ذرية مختارة، وكهنوت ملكي، وأمة مقدّسة. أشيدوا بآيات الذي دعاكم من الظلمات إلى نوره العجيب" (1 بط 9:2).

 

معكم أشكر الراعي الصالح الأمين الذي نقف في كنيسته، وأمام هيبته وجماله وتواضعه. أقول له شكرًا لكل ما تحقّق من سينودس الكنيسة الكاثوليكية في الأرض المقدسة في يوبيله الفضي. وأشكره لما تحقّق في يوبيلي الكهنوتي الذي اتخذت له شعارًا منذ سنة 1995: "أنت يا رب تنير مصباحي". وكان المصباح، بسبب ضعفي البشري، يهادنني ويباغتني أحيانًا، ويذهب لمغازلة الريح، ويطيعها، وما زلت كما قلتُ في أول يومٍ من كهنوتي، بحاجة إلى زيت وتشجيع أخوتي وأحبتي وأصدقائي، وكلّ من سأتعامل معه. لذلك بعد 25 سنة، أشكر الرب على نعمة كلّ إنسان وضعه الله في طريقي، وأمدّني بزيت عنايته ورعايته و"توبيخه" وإرشاداته وتوجيهاته. أشكره على كل طفل نال سرّ المعمودية والمناولة أو عائلات نالت سر الزواج... ومن أجل كلّ من نال الحلة من خطاياه في كرسي الاعتراف، ومن أجل من نالوا مسحة المرضى ، ومن أجل كلّ من أتى متعَبًا بثقل الحياة، وخرج مسرورًا، هذه هي الكنوز التي اعتز بها في مسيرتي الكهنوتية، بقوة الراعي الصلح وشفاعة الام البتول سيدة النعم التي نحتفل بها اليوم والقديس يوسف والقديس يوحنا المعمدان.

 

وأشكر كلّ من وضعني على هذه الطريق، وأعود إلى أبونا خالد عكشة، في رسامتي الشماسية سنة 1994، عندما أرسل إليّ رسالة ويقول فيها: "كنتُ واثقًا من أنك ستصل، ولكن ليس بقواك الشخصية، وإنما بقوة دموع والدك. فقد جاء إليّ في 24\8\1984، وقال لي عند بوابة كنيسة المصدار باكيَا: هذا ابني، ومن اليوم يصبح ابنكم.

 

وتشاء العناية الربانية أن ألبس الثوب الكهنوتي سنة 1991، في كنيسة المستشفى الإيطالي في عمّان، حيث كان يعمل والدي العزيز، وقال لي المطران سليم الصايغ العزيز: "بنعطيك الثوب في كنيسة المستشفى، خلي أبوك يشوفك بالثوب الإكليريكي". وكان أبونا اميل سلايطة مسؤول الدعوات، واعارني الأب فيصل حجازين ثوبه الكهنوتي لكي أرتديه في كنيسة المستشفى... فتسلمت الثوب في المستشفى، وقد طبع ذلك في قلبي ووجداني، فمن أهم مهمّات الكاهن أن يعمل على موهبة الشفاء: شفاء دائم لنفسه من الخطيئة والعثرات، وشفاء الأسرة البشرية من كل جائحة ووباء وتعب وارهاق نفسي وجسدي وروحي. وعلى الكاهن حتى وان كان متعَبًا أن يزيح التعب عن أخوته وكما قال الكاتب اليسوعي Henri Nouwen : the Wounded Healer  أو الطبيب المجروح... 

 

استذكر والدي العزيز، الذي فارق الحياة بعد ذلك بشهرين، وقد كان مثالاً لي في الإيمان والاتكال على عناية الرب بالرغم من الفقر وقلة الحيلة. واستذكر الوالدة الحبيبة التي ارتقت إلى الملكوت قبل ثلاث سنوات، وهي تقول: "اطلقني يمّة، خليني اروح.. رحمة ربنا أحسن من كل اشي، ومريم العذراء بتظل امّك". أمّي كانت أميّة، ولكن إذا طلب من أي لاهوتي أن يختزل العمل الكهنوتي بجملتين، فسيقول لك ما اكتشفته هي: الاتكال على رحمة الله، وعلى شفاعة الأم البتول مريم.

 

أشكر الأهل الأحباء، ونتمنى النجاح لأبنائهم في التوجيهي في هذه السنة. شقيقتي واشقائي وعائلاتهم، والعمام والخوال، وكلّ من أصبح لي أخًا وأختًا في هذا العالم الواسع.

أمّا أسرة المعهد الإكليريكي، فكل الشكر لها. أشكر الرؤساء المتعاقبين الذين خدموا خطواتي الكهنوتي: الأب رفيق خوري، والمطران بولس ماركوتسو، والمطران وليم شوملي الذي رافقني في أولى أيامي الكهنوتي، والمطران مارون لحّام. ونحيي أسرة المعهد الحاليّة برئيسها ومرشديها.

 

أمّا البطاركة والأساقفة الأعزاء، فأشكر البطريرك يعقوب بلتريتي –رحمه الله- الذي لم يكن يبخل عليها أيام السمينير بإرشاداته وتوجيهاته وزياراته الراعوية وقصصه التي كان يتقن سردها. والبطريرك ميشيل صبّاح الذي أرسلني إلى المعهد الإكليريكي من رعية المصدار بـ24 آب، عندما كان كاهنًا للرعية سنة 1984، ورسمني كاهنًا عندما أصبح أسقفًا وعيّن بطريركًا للقدس. والبطريرك فؤاد الطوال، الصديق العزيز والجار العزيز حاليًا بين ناعور ومركز سيدة السلام. والمطران سليم الصائغ الذي نعتبره أب لنا جميعًا. كما وأشكر المطران مارون لحّام، والمطران وليم الشوملي الذي رافقني من مسيرة المعهد إلى اليوم وأشكر سيادته على كلامه في العظة، إنه يشحذ الهمم ويشجع على مواصلة الدرب. ونوجه الشكر إلى سيادة المدبر الرسولي بييرباتيستا بيتسابالا، بعد أن أتمّ قبل أيام 4 سنوات في مهمته التي لا توصف بالسهلة أبدًا. E con la presenza di Monsignore Mauro Lalli , preghiamo in questa serata per il nostro caro santo padre Papa Francesco.

 

الشكر لإخوتي الكهنة الذين تكوّنت بيني وبينهم على مدار السنوات لُحمة، والشركة الكهنوتيّة الأخويّة. نحن في قارب واحد. نعتمد على توجيهات المعلم المسيح. نظنه أحيانًا نائمًا في السفينة. ولكنه يمتحن إيماننا وصبرنا ومحبتنا. نميل بكتف على صدر المعلم ، وبالكتف الاخر نميل على اكتاف بعضنا بعضا ، وندرك أنه إن كان هنالك انتقاد لأي خوري هو انتقاد لكل الجسم الكهنوتي، وإن كان هنالك مديح ينالنا قسطٌ من ذلك المديح. نرفع رأسنا بمحبة الناس لنا، وبتعاونهم معنا، وأحيانًا نتفهم الأوضاع التي تجبرهم على انتقاد الكنيسة ومؤسساتها وكهنتها. ندرك ذلك: ولكن، كونوا واثقين أنّ الكهنة لا يحقدون؛ لا يوجد كاهن حقود، أو يدفن الزعل في داخله، ولا يوجد كاهن يرغب بالانتقام.

 

أذكر المطران غالب بدر اشبيني في الشماسية، كما أشكر عمّي العزيز الأب منويل بدر، اشبيني في الكهنوت، وكذلك الأب بشير بدر، ولم يتمكنوا من مشاركتنا لعدم جواز الرحلات الجويّة. وأترحم على الكهنة الذين غادروا هذه الحياة مثل الأب وليم اليعقوب، والأب فايز بدر، وجميع الكهنة الراحلين الذين تكوّنت بيني وبينهم صداقات كبيرة جدًا، ونطلب لهم الرحمة في هذا القداس. والشكر لاخواتي راهبات الوردية والراهبات من مختلف الرهبنيات، واعتز بالتعاون الدائم معهم. والشكر لكل الرعايا التي تشرفت بالعمل فيها، الزرقاء الشمالي ومادبا والسماكية والكرك ومدرسة الوسية ودي لا سال - الفرير، والشكر كل الشكر لرعيتي الحالية، بقلب يسوع شفيعها وسيدة لورد منارتها، رعية ناعور، مع الأب سيمون والأختين مارسيل زعمط واوجيني فاخوري ومدرستها وفعالياتها. وأشكر رعيتي الأصلية الوهادنة، وسوف أقيم معهم بإذن الله قداسًا في عيد مار الياس شفيعنا اللي بزيّن مع موسى النبي جناحي هذه الكنيسة. وأشكر رعية المصدار التي احتضنت رسامتي قبل ربع قرن. والشكر لمجلس الكهنة الكريم، وكاريتاس الاردن، والبعثة البابوية، ورعية الراعي الصالح والاب شوقي رئيس هذا المركز، وجوقة اليوبيل للترنيم، أشكرهم أنهم اختاروا كل الترانيم من تأليفي، وفاجأوني بذلك، والشمامسة والشدايقة والخدام والقراء، والأب رشيد واسرة التراسنطة، والسيد اكرم كريم وراديو مريم والشبيبة والكشافة وعائلات مريم والأخويات والجامعة الامريكية.

 

وهنا أشكر الرب معكم على نعمة الإعلام الذي تشرّفت بالعمل به منذ ربع قرن أيضًا فولد التوأم بين عملي الكهنوتي وعملي الإعلامي. وأشكر أسرة المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام وموقع ابونا، إخوتي وأخواتي اليوميين، والذي أعيش معهم سرّاء هذه الرسالة وضراءها، وأشكر كل من تعاون من القنوات المحلية والعربية والعالميّة.

 

العمل الاعلامي ليس سهلاً، وأحيانًا يتطلب سيرا عكس التيّار، وأحيانا يُساء فهم الإنسان، لكن صراحة أقولها لكم بكل ثقة: لم أقصد في أي يوم من الأيام أن أسيء لاي إنسان، أو أن أنتهك كرامته أو أحرّض على إهانته. أخفقت أحيانًا، أسيء فهمي أحيانًا، وفي هذا القداس أستغفر الرب عن كل خطاياي السابقة، سواء في حياتي الرعوية، أو في حياتي الكهنوتية، أو في حياتي الإعلاميّة. كونوا واثقين بأنّه أكثر ما يؤلمني، حتى البكاء بالليل وصمت مجلجل ، حين أسمع عن أحد الأشخاص يهان أو يقتل بسبب رأيه أو لون بشرته أو بسبب ايمانه.

 

وهنا لا بدّ من القول أنّ الإيمان لا يمنعنا من حب الأوطان، فتحية إلى وطني الاردن الغالي بوحدته الوطنية، بين مسلميه ومسيحييه، وتحية لجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين والقيادة الهاشمية، ولكل من يعمل من أجل خير الوطن باخلاص وأمانة، وبالاخص في هذه الايام جيشنا العربي واجهزتنا الامنية والكوادر الصحية المتفانية لخير الانسان.

 

شكرًا لكم أيها الأحباء، شكرًا لإخوتي وأخواتي من الكنائس الشقيقة، شكرًا لرؤساء الكنائس وممثليها الحاضرين معنا اليوم: سيادة المطران خريستوفوروس ممثلا بالأب ابراهيم دبور أمين عام مجلس رؤساء الكنائس في الاردن، المطران جوزيف جبارة، والأب غازي خوري، والأنبا انطونيوس صبحي، والأب زيد حبابة، والقس فايق حداد، والقس عماد حداد. شكرًا لبطاركة الشرق والأساقفة ومجلس كنائس الشرق الأوسط الذين تكرّموا وأرسلوا بطاقات تهنئة. شكرًا لإخوتي الكهنة الحاضرين معنا اليوم من مختلف الكنائس الشقيقة.

 

كل من يبارك يقول: عقبال اليوبيل الذهبي، محبة الله ومحبتكم هي الذهب بعينه. شكرًا لكم والرب يبارككم.