موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٥ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٠

في رحيل «الأخ أندرو»

طوبى للودعاء.. فإنهم يرثون الأرض.. الراحة الأبدية اعطه يا رب والنور الدائم فليضىء له

طوبى للودعاء.. فإنهم يرثون الأرض.. الراحة الأبدية اعطه يا رب والنور الدائم فليضىء له

الاب رفعت بدر :

 

جاء الكاهن الهولندي أندرو دي كاربنتيه إلى الأردن عام 1977 ليكمل المشوار الذي ابتدأته الكنيسة الإنجيلية الأسقفيّة العربيّة منذ سنة 1964، في المؤسسة التي اقترنت باسمه: أي مؤسسة الأراضي المقدسة للأطفال «الصم» و«الصم المكفوفين»، واحتفل بيوبيلها الذهبي عام 2014، وبقي مديرًا لها لغاية عام 2017، أي بعد 40 سنة من إدارتها بشكل لافت للإعجاب، استطاع أن يعرّف العالم بها، وأن ينقلها إلى إبرام صداقات وشراكات محليّة ودوليّة.

 

هو رجل دين مسيحي، أو قسيس في الكنيسة الإنجليكانيّة التي تُسمى في وطننا العربي بالاسم المميّز: الكنيسة الإنجيلية الأسقفيّة العربيّة، ولها حضورها الجميل في عطائها بالكنائس وبالمدارس المميّزة، مثل مدرسة المطران والمدرسة الأهليّة للبنات، وفي مؤسسة الصم المذكورة أعلاه، وغيرها.

 

وطبعًا، تتبع الكنيسة في الأردن لإدارتها الروحيّة في القدس، وتم قبل أشهر انتخاب المطران الجديد حسام نعوّم، وأقيم له حفل استقبال في المدرسة الأهليّة حضره عدد من الشخصيات الدينية والمدنيّة. وفي الحفل لفتت الأنظار مجموعة من الطلاب والطالبات الذين قدموا الورد للمطران الجديد، وهم من مؤسسة الصم والبكم التي تعنى بالأشخاص من الطفولة لغاية عمر عشرين عامًا. وقد استطاعت أن تطرق باب الاحترافية والتميّز، بفضل الأب أندرو، أو كما كان يحب أن يُسمّى بالاخ أندرو Brother Andrew ليكون قريبًا وأخًا من جميع المواطنين دون استثناء. وكان مؤمنًا بشكل قوي أنّ الحوار الإسلامي المسيحي يتحقّق ليس بالشعارات والخطابات، وإنما بالعمل الإنساني النبيل المشترك على أرض الواقع، من خلال خدمة الإنسان الفقير والمحتاج. ولذلك كتب تعريفًا على الموقع الإلكتروني الرسمي للمؤسسة: إنها مؤسسة مسيحية وتابعة للكنيسة، وتقدم يد العون للأطفال الصم والعميان، في الأردن وفي الشرق الأوسط، دون تمييز بانتماءاتهم الاجتماعيّة والدينية والسياسيّة والاقتصاديّة.

 

وفي تشرين ثاني عام 2009 افتتح جلالة الملك عبدالله الثاني المبنى الإضافي لمؤسسة الأراضي المقدسة الذي خصّص لتدريب وتأهيل طالبات المؤسسة على الأعمال المهنيّة، وتشمل الزخرفة والنسيج والخياطة والتطريز وغيرها. وتمّ عام 2015 إطلاق قاموس لغة الإشارة الأردنيّة، من المؤسسة بالتعاون مع المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، برئاسة سمو الامير مرعد ابن رعد بن زيد.

 

حصل الأخ أندرو على الجنسية الاردنية، وعشق الأردن، من خلال حبه لمدينة السلط، وعمله مع الاطفال المرضى، وحاول في الفترة الأخيرة، بحكم دراسته الأصلية للهندسة المدنيّة، ترميم البيوت القديمة في المدينة الاردنية الاصيلة التي تتجه إلى إعلانها على لائحة التراث العالمي والإنساني. ولعلّه قبل ايام سقط من أعلى بيت من البيوت التي كان ينوي ترميمها.

 

واهتمّت المؤسسة بالسنوات الأخيرة بالأوضاع الصحيّة للأطفال القادمين والمهجّرين من العراق وسورية. الا انّ صيتها قد تخطى فقط الاردن ليصل الى الشرق الاوسط بل الى دول كبرى في هذا العالم الفسيح.

 

رحم الله الفقيد الأب والأخ أندرو، ويبقى دينا علينا أن نكرمه في مماته، لتبقى ذكراه عطرة في السلط وفي أرجاء أردننا الجامع. وكما قال زميله القس فايق حداد في كلمة رثاء: «تحدث الى الأصم وسمع صوت الابكم. لبى الدعوة وخدم مع اخوة واخوات صُما بكُما ومكفوفين وتميّز في رعايتهم. نصف قرن خدم بابتسامة وصمت ولكنّ صوت خدمتهِ دَوَّى في أرجاء المعمورة».