موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٦ يوليو / تموز ٢٠٢٣

جنون البشر في جنين وستوكهولم

سنبقى داعين إلى احترام قدسية الحياة وسائر الرموز الدينية

سنبقى داعين إلى احترام قدسية الحياة وسائر الرموز الدينية

الاب رفعت بدر :

 

نعم، يسقط البشر بجنون متعدد الأوجه وتافه المبررات، وترانا نستغرب أحيانا كثيرة، أن تصل الأمور ببعض الناس إلى تلك المدارك السفلية من الإنسانية التي تتحول بلمح البصر إلى وحشية مؤلمة، وما يؤلم أكثر هو تأييد بشر كثر لها والترويج على أنها "أخلاقية".

 

ومن ذلك ما نراه في هذه الأيام من انقلابات على مؤسسة الزواج والعائلة، والترويج لاتحادات المثليين بأنها "حق" من حقوق الإنسان، وما أكثر المظاهرات حالياً في شوارع العالم، ويشارك بها ملايين من مؤيدي مجموعات "الميم"، إنه انقلاب العصر على قدسية الحياة العائلية والزوجية.

 

لكن ما يحصل في جنين من انتهاك لحياة الإنسان هو أبشع بكثير، وهو الأجدر بتوجيه الاهتمام الدولي والانساني نحوه، لأنه يقتل أشخاصاً وبشرا لا ذنب لهم سوى أنهم عرب وفلسطينيون وجدوا أنفسهم تحت سجن الاحتلال الذي يظهر نفسه أبدياً. فيفجر جنوده المباني ويهجرون السكان، وقد وصلتنا صور بشعة مما تم تفجيره في كنيسة اللاتين في جنين، وهي جزء من مشاركة الشعب الفلسطيني برمته في الألم والمقاومة والوقوف في وجه الاحتلال، في ظل صمت دولي متعاظم وغياب لأي خطة سلام حقيقي وعادل. كنيسة جنين المفجرة هي عنوان للمشاركة العربية المسيحية عل? الأرض العربية بكل معاناة للشعب، وأمل في الخلاص، وقد أعلنت كنيسة الزبابدة القريبة وكنيسة برقين عن فتح أبوابهما لاستقبال المهجرين من إخوتهم وأخواتهم في جنين. كما أدانت البطريركية اللاتينية استهداف كنيستها في جنين، ووضعت الأمر كجزء من استهداف للشعب الفلسطيني كلّه ومنهم المسيحيون.

 

رحم الله الشهداء، وشفى الجرحى، وأنعم على فلسطين بالخلاص من الاحتلال الذي يحطم الرقم القياسي بقسوته وبطول إقامته وهو أول ما يجب على الأسرة الدولية أن تحله وترحّله بدل التلهي بأمور ثانوية.

 

وننتقل من الجنون في جنين إلى جنون العاصمة السويدية ستوكهولم، وهو قصة باتت تتكرّر في كل مرة يخرج شخص مختل ومحتل دماغه من أفكار الكراهية والشهرة والإلغاء، وهو لا يختلف عن مفجري الكنيسة في جنين، فيفجر انغلاقه وغضبه، بحرق نسخة من القرآن الكريم بشكل يعتبر من أكثر أعمال الإساءة إلى الأديان خرقة وحرقة للقدسية والتآلف بين البشر.

 

وقد دانت معظم كنائس العالم وكل إنسان شريف هذا العمل الفردي والجبان الذي يريد بعض القلة في العالم تغليفة بحرية التعبير، وبلغة أخوتنا اللبنانيين هو حرية (التعتير) وليس التعبير، فهو انقلاب العقل على نفسه، وتحميل الحرية ما لا تحتمل وما لا تطيق.

 

نبكي على هذا العالم المبكي والمضحك في آن واحد، إلا أننا لن نسلم الراية للشر والحريات المزيفة، وسنبقى بإذن الله داعين إلى احترام قدسية الحياة وقدسية الكتب المقدسة وسائر الرموز الدينية، ومن يزغرد لها بحجة الحرية، فهو سجين العقل والضمير.