موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ١١ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٢

تطوير الأراضي المجاورة للمغطس

تطوير الاراضي المجاورة للمغطس، هو عنوان للسياحة الدينية المستقبلية في بلدنا الحبيب

تطوير الاراضي المجاورة للمغطس، هو عنوان للسياحة الدينية المستقبلية في بلدنا الحبيب

الأب رفعت بدر :

 

سعدت قبل أيام بالمشاركة في الحفل الذي شرّفه جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، وسموّ ولي العهد الامير الحسين بن عبدالله الثاني، لإطلاق المشروع الجديد لتطوير الأراضي المجاورة لموقع عمّاد السيّد المسيح (المغطس). بالواقع، لقد كان حدثًا يرسم خطوطًا عريضة لنفع بلدنا، ويتحدّث عن الأردن - الأرض المقدّسة، والتراب المقدّس، وطبعًا المياه المقدّسة.

 

فمنذ عام 2000 للميلاد احتفلنا بافتتاح موقع المغطس لكي يكون محجًا للزائرين، وكان أوّل الحجّاج إليه القديس البابا يوحنا بولس الثاني. ومنذ ذلك الحين، كان هنالك تطوير عظيم للمغطس نفسه، أولاً في إزالة الألغام، وتهيئته لاستقبال الزوار، ومن ثمّ في بناء الكنائس التي نشأت الواحدة تلو الأخرى، وما زال هنالك متسّع لمزيد منها. إنّ الجهد الذي بذل على مدار السنوات الماضية رائع جدًا ومُثمر، وبدأت أفواج الحجاج تأتي إلى هذا المكان من كل أقطار العالم. والأمل معقود بأن يكون هنالك أعداد أكبر في المستقبل.

 

ما حدث قبل أيام هو إطلاق مشروع تطوير الأراضي المجاورة لموقع المغطس، وليس مكان المغطس ذاته، وهو كما تحدّثت في مقالٍ سابق "السياحة الدينيّة: الاستفادة من خبرات الغير"، في جريدة الرأي، بتاريخ 23 آب 2022، يشبه الى حد كبير موقع مدينة ومزار لورد جنوب فرنسا. فهنالك مكان للصلاة، وهنالك ما يحيط به، وهو مكان للسياحة ويقدم كل التسهيلات للحجاج والزائرين. وما تمّ إدراجه تحت مظلة التراث العالميّ الإنساني (يونيسكو)، هو موقع الصلاة، وبالتالي أصبح لديه وضعه الخاص لكي يتم التعامل معه. لكن المقصود في المشروع الجديد، هو تطوير الأراضي المحيطة للموقع، بمقدار 1400 دونم تقريبًا.

 

فقد بدأ الأردن، بتوجهيات من جلالة الملك، المرحلة الأولى لتطوير "مدينة" سياحيّة-دينيّة محيطة بأراضي المغطس، وهذا ما تمّ الإطلاع عليه من قبل الحضور الذين كانوا رجال دين وسفراء دول متعدّدة وكبار رجال الدولة وكذلك مستثمرون ومختصون بالشأن السياحيّ. لذلك نعوّل كثيرًا على هذا الحدث، وننظر إليه على أنّه ليس حدثًا يخص الأردن وحده، وإنما هو حدث عالميّ، ذلك أنّ "مدينة المغطس" هي مدينة ستنشأ لكي ترافق الحجاج والسواح في مسيرة الصلاة والحج والاستغفار الذين يأتون بها إلى المغطس. والامل معقود بأنّ الزائر الذي يمكث اليوم في الموقع لمدة ساعات، سيمدّد إقامته، لمدة أيام وليال، نظرًا لتضمن المشروع للفنادق السياحية، التي ستحافظ بدورها على الطابع "الفريد" لموقع فريد مقدّس. وهذا ما توفره له المدينة الجديدة التي أبدع في إعدادها كلّ من الأستاذ سمير مراد، رئيس لجنة التحضير، والدكتور كامل محادين الذي برع في الماضي بأدائه في العقبة، وما نشهده من تطوّر اليوم قد تكوّن جزء كبير في عهده، لذلك هو ينقل خبرة نجاح العقبة إلى منطقة المغطس.

 

لم ينتهِ الأمر هنا، وقد كان الحدث الذي رعاه جلالة الملك هو مرحلة اولى من المشروع الضخم، وقد ابصرنا في المخططات المستقبل، لذلك تبقى الجهود الآن منصبّه على إيجاد مستثمرين محليين أو عرب أو الأصدقاء من كل مكان، وهذا ما دلّ عليه حضور كثيف لسفراء الدول الأجنبيّة الصديقة، لأنّنا بحاجة إلى مساندة كلّ الأشقاء والأصدقاء من أجل الإرتقاء بهذا المشروع، فلا يبقى حبرًا على ورق، أو عرضًا على شاشات، بل يتحقّق على أرض الواقع.

 

وكما سمعتُ من عدد من المسؤولين، إنّ المشروع بحاجة من ثلاث إلى خمس سنوات لتحقيقه، ولربما أكثر بحسب الظروف أحيانًا. ولكن، ما شاهدته هو المستقبل الذي ستكون عليه هذه المنطقة، وهو مؤهل ليكون مكانًا لائقًا لاستقبال الحجّاج، ولإمضاء وقت أطول في هذه "البريّة" التي عاشها يوحنا المعمدان قبل أكثر من ألفي عام، وعمّد السيّد المسيح في بيئتها، واليوم الحاج في القرن الواحد والعشرين سوف يعيش هذه الخبرة من جديد، وهي خبرة روحانيّة وإنسانيّة وثقافيّة وتاريخيّة.

 

كلنا أمل بأن يمضى الأردن السياحي الديني قدمًا بقيادة جلالة الملك، وبجهود الخيريّن والمستشارين، وعلى رأسهم سمو الأمير غازي بن محمد الذي قاد مسيرة تطوير المغطس واليوم يقود مسيرة تطوير الأراضي المجاورة للمغطس، لكي يكون هذا المكان فعلاً مكان حج مقدّس ولائق ويتطوّر ضمن البيئة الروحيّة التي يبحث عنها الحاج، وسيجدها حتمًا في الأردن.

 

تطوير الاراضي المجاورة للمغطس، هو عنوان للسياحة الدينية المستقبلية في بلدنا الحبيب، ويحتاج جهودًا وأموالاً كبيرة، وإن شاء الله يكتب المولى النجاح لهذا المشروع الكبير.