موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢٨ فبراير / شباط ٢٠٢٢

تحالف الصلاة من أجل السلام

دعاؤنا إلى الله أن يسكت أصوات الحرب وطبولها المزعجة

دعاؤنا إلى الله أن يسكت أصوات الحرب وطبولها المزعجة

الأب د. رفعت بدر :

 

في أيام الحرب تكثر التحليلات، وتكثر كذلك عمليات التجييش، وبخاصة من حلفاء الأطراف المتنازعة والمتناحرة والمتحاربة، وبذات الوقت تكثر أصوات الداعين إلى السلام، من خلال الدعاء إلى الله تعالى أن يرمي برداء السلام من جديد على بني البشر، وأن يُعيد الأخوّة الإنسانيّة إلى النفوس والضمائر والممارسات اليوميّة، بعيدًا عن مآسي القتل والتناحر. فقد أثبتت التجارب العديدة بأن الحرب لن يكون فيها خاسر ورابح، بل إنها تحمل الخسارة للجميع.

 

وبذات الوقت نتفاجأ كيف يعود الناس إلى التحارب بشكل طبيعي بعدما كانت هنالك «حرب عالميّة» شرسة ضدّ الفيروس الصغير كورونا! إنّ الأسرة البشريّة قد اتحدت في حرب كونية شاملة من أجل حياة الإنسان، وذهب ضحيتها الملايين من الأرواح البريئة في العالم أجمع، ولم يسلم أي شعب من فتك هذا الوباء. ولذلك، أن تعود بعض الدول إلى الحرب والقتال الشرس بعد كورونا فمعنى ذلك أنّ الدروس والعبر لم تصل إلى عقول ونفوس البشر! دعونا نلجأ للصلاة إلى ربّ العباد أن يشفي العالم من فيروس كورونا شفاءً نهائيًا، وأيضًا من فيروس الحرب والكراهيّة.

 

البابا فرنسيس، وقبل اجتياح القوات الروسيّة أوكرانيا، قد دعا بشكلٍ صادق للصلاة من أجل السلام، وخصّص يوم الأربعاء المقبل، وهو أربعاء الرماد، ومعه تبدأ الكنيسة الكاثوليكية في العالم زمن الصوم الأربعيني، بأنّ يكون يومًا للصلاة والصوم من أجل نيّة السلام في أوكرانيا وفي العالم أجمع. وعبّر البابا بحسّه الأبوي الخالص عن «الألم العميق في قلبه» جراء التوترات التي قد تقود إلى حرب محتمة، ودعا أن تمتنع جميع الأطراف المعنيّة عن أي عمل من شأنه أن يتسبّب في مزيد من المعاناة للناس، ويزعزع الاستقرار بين الدول كما وسمعة القانون الدولي.

 

وبعد هذا الدعاء بساعات، استيقظ العالم على صوت القصف في أوكرانيا، مما حدا برئيس الدبلوماسية الفاتيكانية الكاردينال بيترو بارولين إلى توجيه نداء قال فيه: «مع التطورات التي طرأت على هذه الأزمة تبدو أكثر وضوحًا وإلحاحًا كلمات البابا فرنسيس». وأضاف: «ما يزال هناك وقت للنوايا الحسنة وفسحة للتفاوض، لا تزال هناك مساحة للتصرّف بحكمة تحُول دون أن تكون الغلبة لصالح أحد الأطراف، وتحمي التطلعات الشرعية للجميع، وتمنع عن العالم جنون الحرب وأهوالها».

 

أما مجلس الأساقفة في أوروبا، فقد وجّه نداءً صادقًا من أجل السلام في أوكرانيا، معربًا عن إدانته للأحداث التي شهدتها أوكرانيا ولوضع حدٍ للهجوم الروسي وبذل الجهد لحماية الأبرياء من النساء والرجال والأطفال. وقال المجلس في بيانه: «يجب على المجتمع الدولي، والاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص، ألا يدخروا جهدًا لوقف الصراع، وأن تفسح الأسلحة الطريق للحوار والمفاوضات، من أجل الدفاع عن القانون الدولي، واستقلال أوكرانيا وسيادتها الإقليمية».

 

وبعد، دعونا ننضم إلى تحالف السلام، وإلى تحالف الداعين إلى السلام، وإلى تحالف المصلين من أجل السلام. فقد كان من المؤمّل، وبعد المجابهة الكونيّة مع الفيروس البشع، أن يخرج العالم أكثر اتحادًا وأخوّة، وأن تنصبّ جهود البشر ليس للتسلّح وتدمير الآخرين، وإنما لصرف الأموال من أجل الأبحاث العلمية ومساعدة المختبرات لإيجاد العلاجات والحلول المناسبة للتحديات الصحيّة التي تواجه عالم اليوم. دعاؤنا إلى الله أن يسكت أصوات الحرب وطبولها المزعجة، وأن تعلو أصوات الحلول السلميّة والدبلوماسية الهادئة، عوضًا عن إراقة الدماء وتهجير الأبرياء من بيوتهم الآمنة على طرقات العالم الفسيح.