موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢٥ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٣

الميلاد 2023: صلوات من أجل الوطن وغزة والانسانية

مشهد الميلاد في كنيسة قلب يسوع  - تلاع العلي، عمّان

مشهد الميلاد في كنيسة قلب يسوع - تلاع العلي، عمّان

الأب رفعت بدر :

 

أخبرنا البابا فرنسيس قبل ايام، أنه قبل 800 سنة، في ميلاد سنة 1223، أقام القدّيس فرنسيس مشهد المذود الحيّ، أول مغارة ميلادية في جريتشو في ايطاليا. وقد تحدث عنها القديس فرنسيس قائلا: «أرغب في أن أمثّل الطّفل المولود في بيت لحم، لأرى بعينيَّ نوعًا ما المصاعب التي وُجد فيها بسبب عدم توفُّر الأشياء اللازمة لطفل مولود حديثًا، وكيف أضجع في المذود وكيف نام على التبن بين الثّور والحمار». يقول كاتب سيرة القدّيس فرنسيس الأسيزي: «في هذا المشهد المؤثّر، تسطع البساطة الإنجيليّة، ويُمتدَح الفقر، ويشاد بالتّواضع. وصارت ج?يتشو مثل بيت لحم جديدة».

 

هذا أصل حكايات مغارة الميلاد، بعد ثمانية قرون، الا اننا في هذا الوقت، لا نحتفل بمغارة ميلاد صنعها مار فرنسيس، وانما نعود الى اكثر من 1200 عام قبلها، لنحتفل بسر ميلاد السيد المسيح في الجسد، في بيت لحم.

 

في مساء ميلاد 2023 النجمة غير واضحة المعالم، ولا نستطيع أن نراها كما رآها المجوس قبلنا بمئات السنوات. نجمة الميلاد في هذا العام نراها بغشاوة، ونراها وراء غيوم داكنة، ونراها صواريخ تضرب الحجر والبشر. في هذا المساء نجمة الميلاد تقف فوق كنيسة العائلة المقدّسة في غزة. غزة التي آوت في يوم من الأيام العائلة المقدّسة نفسها الهاربة من بيت لحم، من بطش هيرودس، من العنف، من العدوان، من الإبادة الجماعيّة لكلّ أطفال بيت لحم. تهرب العائلة المقدّسة إلى مصر، وتمرّ في غزة، لذلك نجد اليوم كنيسة العائلة المقدّسة في غزة.

 

وإنّ الاحتلال إذا أراد أن يضرب بقعة ما يرسل إليها قنابل مضيئة، لتكشف عن مكان القصف. وكم وقفت تلك القنابل المضيئة، خلال الاسابيع الماضية، فوق كنيسة العائلة المقدّسة في غزة. والفرق شاسع بين نجمة الميلاد التي توحي بالسلام والطمأنينة، القنابل المضيئة التي توحي وتدعو إلى الخوف والذعر والترهيب والإضطراب.

 

الاضطراب أصلا قد حلّ في قلب هيرودس في ليلة سماعه عن ميلاد ملك الملوك، الطفل يسوع. اضطرب واضطربت معه أورشليم كلها. واليوم هذا الاضطراب ليس فقط في أورشليم، وإنما هو في بيت لحم الخاليّة من الحجاج، وفي غزة ملجأ العائلة المقدّسة وملجأ العائلات في هذه الأوقات الصعبة.

 

لذلك شاهد المصلون في كنيسة قلب يسوع في تلاع العلي في العاصمة الغالية عمّان أمام الهيكل نجمة الميلاد هي اختراقٌ لجدار الفصل والكراهيّة، برصاص الهيوديين الجدد، و على الشجرة كوفيات وأعلام فلسطينيّة وأردنيّة رمزًا لهذا التضامن الأخوي والتاريخي والوطني والإنساني، من أجل قضية فلسطين العادلة. لذلك تخيّم على كنائسنا في هذه الأيام، وبدعوة من رؤساء الكنائس في كل من فلسطين والأردن، أجواء من التأثّر في هذا العيد بالذات.

 

نشكر الرب على كل حال، وندعو الطفل يسوع أن ينجّي البشريّة من كلّ أنواع الظلم والظلام، والقنابل والصواريخ التي تريد أن تلعب دور نجمة الميلاد، ولكن هيهات!.

 

صلاتنا في هذا العيد من أجل وطننا الحبيب الأردن، لكي يبقى -كما نعرفه- واحة أمن واستقرار وطمأنينة، والصدر الرحب الذي يرحّب بكلّ إنسان شقيق موجوع. صلاتنا من أجل جلالة الملك المعظم الذي نُحيي العام المقبل 2024، 25 عامًا على جلوسه، وهو الذي أعلن عيد الميلاد عطلة رسمية لجميع المواطنين قبل ربع قرن أيضا. صلاتنا من أجل سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله، المبادر النشط في كلّ ميادين الشباب والتكنولوجيا والتنمية والتربية والتعليم.

 

صلاتنا هي من أجل أن ينعم الرب على كل أجهزتنا الأمنية والجيش العربي بالقوة والمناعة، للحفاظ على أمن هذا الوطن. وبالاخص في رسالتين كبيرتين تقوم بهما اليوم، وهي حفظ عقول شبابنا بعيدا عن المخدرات التي تأتي الينا من الشمال، ومد يد العون الانساني والعلاجي للأخوة المجروحين في غزة الجريحة. صلاتنا هي من أجل كل الانسانية، لتنعم من جديد بالأخوة والوئام. فيبصر كل انسان أن كل انسان أخ له في الخلق وتمجيد الخالق.

 

ايها الأحباء، من الأردن، من كنيسة قلب يسوع الاقدس، في العاصمة الحبيبة عمان، نرفع التحية الميلادية إلى اخوتنا واخواتنا في غزة، وبالاخص المتواجدين مع كاهن الرعية الاب يوسف اسعد، وراهبات الوردية وراهبات الام تريزيا وراهبات الكلمة المتجسد، في رعية العائلة المقدسة في غزة، وقد وضعوا مغارة صغيرة عند الهيكل، تغلب عليها الالوان السوداء، ولم يضعوا مجسمات المجوس هذا العام، وكانهم لم يتمكنوا من الوصول الى غزة، دعونا نصلي ونصل الى قلوبهم في هذه الاوقات، ونعايد عليهم، ونعدهم بان نبقى نستمد قوة الايمان بالمسيح المولود من قوة صلاتهم اليومية.