موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١٨ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٩

المصالحة هي أكبر نصر

الأب د. بيتر مدروس :

في القراءة الأولى نطالع أنّ كليم الله موسى بقي يصلّي وظلّت يداه مرفوعتين على حجرين وضعهما هارون وهور لكي ينتصر العبرانيون على بني عماليق. والعمالقة المُشار اليهم هم قوم من جنوب سوريا استقروا بقرب الأرض المقدّسة لاحقًا وما أشبه اليوم بالأمس. فعمالقة هذا الزمان ولاسيّما أهل أمريكا وروسيا وقوى النفط والرأسمالية ومصانع الأسلحة تتنازع وربما كان أهم أهدافها نصرة بني اسرائيل لتدمير الأعداء الأقدمين وخصوصًا بعد الكنعانيين والفلستيين، البابليين والأشورين والآراميين. فهذا ثأرٌ عتيقٌ حسب منهاج أهل العهد القديم يعود إلى مئات السنين. ونحن اليوم، خصوصًا مع البابا فرنسيس الأمير الصغير الكبير للسلام في أيامنا والأب الأمين لكلّ الناس، كنا نودُّ ألا يصلّي موسى من أجل نصر قومه في عنصرية مقدسّة كانت تتذرّع بأن انتصار الشعب اليهودي على خصومه يعني انتصار التوحيد على الشِرك ويعني انتصار الله على الأصنام الوثنية. ولكن الأصنام الوثنية لا وجود لها بحيث لا يحتاج الله أن يُقتَل أحدًا في سبيل توحيده. وما أشبه الأمس باليوم حيث أخذ خلقُ كثيرُ من العالم العربي عقلية موسى أي إنتصار التوحيد بالغلبة على المشركين وبقتلهم. وما زال عند بعض القوم سوء فهم فظيع وهو أنَّ النصارى مُشركون مع أننا موحّدون نؤمن بإله واحد بكلمته وروحه. لو عاش موسى اليوم ولو استمع إلى الانجيل وتابع عظات البابا فرنسيس لصلّى بدموع ذوارف لا من أجل نصرة اليهود بل من أجل السلام ومن أجل المصالحة مع بني عماليق وفلسطين وآرام وآشور وقوم فرغون وسواهم وأحفادهم. في الانجيل الطاهر يُعطي الرب يسوع مثل وكيل الظلم الذي أنصف أرملةً لا لصلاحٍ فيه بل لشدة إصرارها بعد أن صدعت رأسه. يلفت الموقع اليسوعي الانجليزي Loyola النظر إلى أن الله لا يُشبه بتاتاً ذلك القاضي الظالم فلا يجوز أن نستنتج أنّ الله أيضاً يستجيب لنا بسبب إصرارنا ولجاجتنا. بل ما قصده الرب يسوع أنَّ الله أفضل بغير قياس ليس فقط من القاضي الظالم بل من القضاة العدل وهو يستجيب لنا لأنّه المحبّة لأنّه الحنان لأنّه العدالة لأنّه الرحمة ولأنّه كما يقول صاحب المزامير ملك العدل الذي يُنصف الفقير. خاتمة في هذه الأيام العصيبة، نصلّي بالدمع السخين كي يجنّب الله البشرية حربًا ثالثة عالمية.