موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٢١ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢١

اللقاء الملكي السنوي مع رؤساء الكنائس

اللقاء الملكي السنوي مع رؤساء الكنائس

اللقاء الملكي السنوي مع رؤساء الكنائس

الأب د. رفعت بدر :

 

ابتدأ اللقاء الميلادي بين جلالة الملك ورؤساء الكنائس في الأردن منذ عام 1999، وذلك في أول عيد ميلاد في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، وخرج على إثره في ذلك الوقت الإعلان عن عطلة رسميّة لجميع المواطنين من دون استثناء. وكان الأمر معمولاً به بأن يعطّل فقط الموظفون والطلاب المسيحيون من المدارس الحكوميّة أو الخاصة.

 

وعلى مدار السنوات الماضيّة، كان هذا اللقاء يجري إما في القصر العامر أو في موقع معمودية السيد المسيح (المغطس) أو في بعض المحافظات حيث التقى جلالته ليس فقط برؤساء الكنائس إنما أيضاً بممثلين عن مختلف القطاعات من أبناء بلده، مسلمين ومسيحيين، بمناسبة عيد الميلاد، كما جرى في مادبا والفحيص والحصن والكرك.

 

اليوم، وبعد اثنين وعشرين عاما نجد أن هذا اللقاء هو لقاء المحبّة، ولقاء المعايدة الرسميّة من سيد البلاد لأسرته الأردنيّة بحلول عيد الميلاد وقرب حلول رأس السنة الميلاديّة. وهذا طبعًا رسالة قويّة بأنّ الأخ يُعايد على أخيه، والأب يُعايد على أبنائه، وليس مثل الأمور التي حصلت عليها نقاشات بديهيّة في السنوات الماضية: هل يجوز أن نعايد على قريبنا الذي يدين بديانة مختلفة أم لا!

 

إنّ هذا اللقاء السنوي يبيّن حقًا بأن الأمور يجب أن تكون طبيعيّة وفطريّة، ذاك لأنّ تركيبة المجتمع الأردني هي تركيبة تلاحم واحترام الواحد للآخر. وكلنا يتذكر في أيام الطفولة كيف كان المسلمون يذهبون لمعايدة إخوتهم وجيرانهم، وكذلك المسيحيون، يرأسهم كاهن الرعيّة، كانوا يذهبون لمعايدة أخوتهم المسلمين.

 

ويتذّكر كاتب هذه السطور أنّه في أيام الطفولة كان يحضر إلى الجامع في بلدة الوهادنة احتفالات عيد المولد النبوي. لذلك علينا تعزيز هذه القيم في مجتمعنا الأردني بأنّ تبادل التهاني والمعايدات، وإن اختلفت عقائدها من دين لآخر، ولكن علينا أن نكمل هذه المسيرة بواجبات اجتماعيّة، تعزّز أواصر المحبة، وقد ورثناها عن آبائنا وأجدادنا.

ثانياً: إنّ هذا اللقاء هو بمثابة رسالة للعالم، ورسالة لدول عديدة ما زال هنالك فيها مشكلة في العيش المشترك، والاحتقانات السياسيّة تبعًا للاختلافات الدينيّة.

 

ورسالة الأردن واضحة وصريحّة، وهي رسالة النظر إلى الدين بأنّه تعاون إيجابيّ بين مختلف شرائح المجتمع بغض النظر عن اختلافاتهم الدينيّة، أو حتى داخل الدين نفسه من اختلافات طائفية. فالهمّ هو كيف نفعّل القيم الدينيّة في خدمة التعاون للبحث عن حل لمعضلات البشريّة وأهمها حاليًا المعضلة الصحيّة التي أحدثها فيروس كورونا.

 

ثالثًا، لهذا اللقاء أهمّية خاصة في هذا العام، وهو أنّه يأتي بعد يوم واحد من الرسالة التي وجّهها رؤساء الكنائس إلى أسرتهم الأردنيّة بمناسبة المئوية. وهو كذلك آخر لقاء بالمئوية الأولى والنظر معًا نحو المئوية الثانيّة بعين التفاؤل والأمل بأردن دائم الازدهار ومكمل مسيرته كما سفينة ترسو نحو البر والاستقرار. لقد عملنا معًا خلال الفترة المئوية الأولى لكي يبقى الأردن رمزًا للمودّة والوئام والتلاحم والتلاقي، نريد أن نكمل هذا الإرث نحو مئوية جديدة، بأن نحافظ على هذه الأمانة بعين التفاؤل وبسواعد متضامنة ومتحدة لعمل الخير وإكمال مسيرة البناء بقيادة جلالة الملك المعظم وولي عهده النشط، لما فيه خير الأردن وإكمال رسالته في الوئام والإيمان.

 

ورابعًا وأخيرًا، أنّ هذا اللقاء، كما حدث بالأمس، يجمع مسيحيي الأردن وفلسطين، تحت مظلة الهاشميين. وما مجيء رؤساء الكنائس من القدس، ورؤساء دوائر الأوقاف في المسجد الأقصى، إلا دلالة على الاهتمام الهاشمي بشؤون القدس، بإنسانها ومقدساتها وشؤون حياتها اليومية. نعم، للهاشميين دور بارز في الدفاع عن المقدسات في القدس الشريف، الأمر الذي يتم التأكيد عليه في كل لقاء ميلادي مع سيد البلاد.. كل عام وأنتم بخير.