موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٦ يوليو / تموز ٢٠١٨

الكاردينال جان لويس توران: الأولويات الثلاث للعيش المشترك

عمّان – أبونا :

<p dir="RTL"><span style="color:#006699;">غداة انتقال الكاردينال جان لويس توران، رئيس مجلس الفاتيكان للحوار مع الأديان، ينتهز موقع أبونا لإعادة نشر الكلمة التي ألقاها في مؤتمر &quot;تحديات التي تواجه العرب المسيحيين&quot;، والذي عقد في العاصمة عمّان، في الثالث والرابع من أيلول عام 2013:</span></p><p dir="RTL">صاحب الجلالة،</p><p dir="RTL">صاحب السمو الملكي،</p><p dir="RTL">أصحاب النيافة والغبطة والسيادة،</p><p dir="RTL">سيداتي وسادتي،</p><p dir="RTL">الأصدقاء الأعزاء،</p><p dir="RTL">إن أولى الأفكار التي تخطر في ذهني، تتجه إلى الله القدير محب البشر الذي بعنايته الإلهية جمعنا في عمان، واحة السلام والأخوّة.</p><p dir="RTL">أُقدم شكري إلى جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين الذي اتخذ هذه المبادرة لمصلحة المسيحيين العرب. ونحن ندرك أن هذه ليس المرة الأولى التي يضع جلالته نفسه في المواجهة من اجل ضمان الحرية الدينية لسكان هذا البلد، في وقت لا يخشى إن يبرز التراث الديني والحضاري للمسيحيين الموجودين هنا.</p><p dir="RTL">كما أقدم جزيل الشكر للعديد من النشاطات الدينية المشتركة التي يتم إقامتها في الأردن تحت قيادة الملك عبد الله، وأقصد بذلك مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي التي يرعاها صاحب السمو الملكي الأمير غازي بن محمد الذي نظم المؤتمر نيابة عن الملك عبد الله.</p><p dir="RTL">إن المجلس البابوي للحوار بين الأديان في الفاتيكان، الذي أتشرف برئاسته، يقيم علاقات بناءة مع سمو الأمير غازي ومؤسسة آل البيت. كما أن هناك شريكا آخر في الأردن للمجلس البابوي للحوار بين الأديان وهو المعهد الملكي للدراسات الدينية، الذي تأسس بقيادة حكيمة من قبل سمو الأمير الحسن بن طلال، أحد رسل الحوار ، والذي يتميز بأهمية كبيرة خلال هذه الفترة العصيبة التي تمر بها المنطقة العربية. ومن المهم أن نتذكر أن الحفاظ على المسيحيين في العالم العربي وحماية مساهماتهم الخاصة في الحضارة العربية هما من بين أهداف المعهد الملكي للدراسات الدينية الذي نجزيه جزيل التقدير.</p><p dir="RTL">وبخصوص التحديات التي تواجه المسيحيين العرب، يبدو واضحا أن القيادات المسيحية كما والمؤمنين أنفسهم يعلمون أكثر من القادم من الخارج عن ماهية هذه التحديات وأفضل طريقة لمعالجتها. إلا أنني أمل أن وجهة نظر معينة من &quot;موقع مراقب&quot; محدد-- أي الحوار بين الأديان على مستوى الكنيسة الجامعة-- قد تكون مفيدةً.</p><p dir="RTL">إن ملاحظتي الأولى فيما يخص المسيحيين العرب هو أنهم ليسوا &quot;أقليات&quot; في بلدانهم المعنية بل هم مواطنون كاملو المواطنة. وللحديث بصورة أرقام مستعملاً كلمات السيد المسيح بأنهم &quot;قطيع صغير&quot; (لوقا 12: 32) وللحديث عن رسالتهم فإنهم يدعون &quot;ملح الأرض&quot; (متى5: 13) و&quot;نور العالم&quot; (متى5: 14) وفي كلتا الحالتين فان الكمية تحتسب قليلاً، وأما النوعية فهي ما يهم حقا!</p><p dir="RTL">ونحن مدركون للتحديات &quot;الداخلية&quot; التي تواجه المسيحيين في الشرق الأوسط، ومن ضمنها التهميش الذاتي مع تشكيل &quot;الأحياء المنعزلة&quot; (الغيتوات). ومع أنها غير موجودة في الحقيقة على الأرض، إلا أنها موجودة في العقل. فهي تنبذ المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية، وتغري بالهجرة، وتؤدي إلى نقص الثقة بالذات، وذلك على سبيل المثال لا الحصر. إن فقدان الأمل والحماس لمتعة الحياة هما خطران داخليان يعدان أكثر خطراً من التحديات الخارجية.</p><p dir="RTL">أما التحديات الخارجية، فتأتي من التمييز حضارياً، واجتماعيا،ً وسياسياً، وتهميشاً، وتحديداً أو منعاً لحرية العبادة والحرية الدينية بصورة عامة، وهجوما على أماكن العبادة وعلى الشخصيات المسيحية،أو حتى تحريضا على العنف في الخطب والكتابات والفتاوى التي يصدرها بعض زعماء الدين. وهناك فتوى مؤلمة صدرت أخيراً تنص على أنه لا يمكن أن يعمل المسلمون في تشييد أو إصلاح الكنائس لان الكفر يُشهر في أماكن العبادة هذه! ما هو رد فعل هؤلاء الذين أطلقوا هذا المرسوم عند علمهم أن نبي الإسلام استضاف مسيحيين في مسجده الخاص في المدينة؟</p><p dir="RTL">إن ما كتبه البابا فرنسيس إلى المسلمين بمناسبة عيد الفطر في 2013 يشكل استنارة، إذ قال: &quot;من الواضح انه عندما نظهر احترامنا لديانة جيراننا أو عندما نقدم لهم أجمل التهاني بمناسبة احتفالاتهم الدينية فإننا ببساطة نسعى إلى مشاركة فرحتهم دون الإشارة إلى قناعاتهم الدينية&quot;.</p><p dir="RTL">بعد الاستماع إلى العديد من الشهود عن حالة المسيحيين في العالم العربي، أود أن اشكر المسيحيين العرب على شهاداتهم كما اقترح دقيقة من الصلاة الصامتة لهؤلاء الذين رحلوا عن هذا العالم ولعائلاتهم. كما أشيد بأصدقائي المسلمين الذين لديهم الشجاعة لنبذ الأعمال التي ارتكبها بعض المتدينين خطأً بحق المسيحيين.</p><p dir="RTL">إن جلالة الملك عبد الله، الذي التقى البابا فرنسيس في29 آب، يدعونا إلى النظر للمستقبل، لذا هناك حاجة للثقة من أجل التمكن من القيام بالأعمال التي تمهد لهدف مشترك.</p><p dir="RTL">أود أن اقترح هذه الأولويات الثلاث للعيش المشترك من اجل أن نأخذها بعين الاعتبار:</p><p dir="RTL">1-&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; دعونا نستمر بالعيش بعضنا مع بعض وليس بعضنا إلى جانب البعض. إن المسيحيين يعيشون في بلدهم في الأراضي العربية، إنهم سكان هذه المناطق منذ التبشير الأول بالمسيحية. لقد جعل منهم التاريخ أقلية فيما يتعلق بالعدد &quot;قطيع صغير&quot; إلا أنهم مجتمع ذو أهمية، واستذكر ما قاله مفتي لبنان إلى البابا بندكتس السادس عشر خلال زيارته إلى لبنان في أيلول 2012: &quot;المسيحيون بالنسبة لنا مصدر غنى!&quot;</p><p dir="RTL">2-&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; دعونا نكمل الطريق إلى حوار الأديان، بأن نجعله ذا مصداقية.أتساءل كيف نبرر تفجير كنائس خلال أداء الصلاة ؟ يخطف المسيحيون، من ضمنهم الكهنة والأساقفة، كما تشوه بصورة فظيعة كتب مدرسية تمثل ديانات أخرى. وعندما يكون لدينا هذه الانواع من الأعمال المتتالية الوحشية ننتظر بعض الإدانات الصريحة من زعماء دين مسلمين.</p><p dir="RTL">فغالباً ما يكون الجهل من ضمن العوامل الأخرى التي تسبب العديد من سوء الفهم، فنحن ما زلنا لا نعرف بعضنا بعضا بصورة كافية. وفي هذه الإطار، فإن المدارس والجامعات مهمة لمستقبل أفضل.</p><p dir="RTL">3-&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; دعونا نتحد، مسيحيين ومسلمين، في تذكير الجميع أن الدين والعنف لا يتفقان. ومن هذا المنظور فليس هنالك العنف الجسدي فقط وإنما العنف اللفظي. وهناك مثل عربي يوضح هذا بالقول بان الجرح الذي يسببه اللسان أسوأ من جرح السيف. وأكد البابا فرنسيس مؤخراً أن على أتباع المسيح، كما على كل إنسان، أن &quot;ينبذ الشر والأنانية... أن يفعل الخير وان يختار الحقيقة والعدل&quot; (صلاة الملاك الأحد 19 آب 2013).</p><p dir="RTL">وكما كانت الحالة عبر التاريخ، فان مساهمة المسيحيين في المجتمع تشكل ضمانةً للحرية والتقدم. إن الحريات الدينية تحرر الأفراد والمجتمعات وتعطيهم إطارا يسهل عليهم النظر إلى الحقيقة المطلقة. كما يشكل الدين والروحانية عاملين أساسيين للجميع ولحياة الأفراد والمجتمع. إن للسلام قيما عزيزة لدى كل الديانات، فالديانات تساعد كثيراً في الحفاظ على النظام العام والمشاركة المدنية.</p><p dir="RTL">أخيراً، على المسيحيين العرب أن يتحلوا بالشجاعة ليبقوا في أرضهم، وان يثابروا في الحوار بين الأديان، وأن يظهروا بتناغم حياتهم أن الله محبة وسلام.</p><p dir="RTL">وفي الختام، فان المؤمنين الذين يرون أن قناعاتهم الدينية محترمة كما يتم الدفاع عنها عند الحاجة، سيتعاونون بملء إرادتهم في بناء مجتمع مدني متجانس. نرى، نحن المسيحيون، صورة الله في كل إنسان. إن هذه الصورة الإلهية هي أساس ومصدر الكرامة والحقوق. ولهذا السبب نؤمن أن كل إنسان يستحق الاحترام.</p>