موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٩

القديس والسلطان بعد ثمانية قرون

الاب رفعت بدر :

ثمّة أحداث في التاريخ تصبح دروساً ولو بعد قرون. ونتحدث اليوم عن القديس فرنسيس الاسيزي في الأسبوع الذي يحتفل به عالميًا بعيده في الرابع من تشرين الأول في كل عام. لماذا أتحدّث عنه؟ لأنّ هذه السنة مميّزة، وهي الذكرى الـ800 على زيارته إلى الشرق: إلى عكا الفلسطينية ومنها الى دمياط المصرية حيث قابل السلطان الكامل الأيوبي، في فترة حروب الفرنجة. ما الذي حدث في مصر؟ جرى هنالك اول لقاء للحوار الإسلامي المسيحي. وقد استطاع القديس فرنسيس قبل ثمانية قرون أن يجعل المؤتمر ناجحًا ومثمرًا، في جوّ من تقبّل الآخر ومن الاحترام المتبادل. وقد علّمنا فرنسيس في عام 1219 ما لا نستطيع أن نعيشه نحن في القرن الحادي والعشرين. علمنا في القرن الثالث عشر بأنّ الحياة تقوم على الاحترام المتبادل بين أتباع الأديان، وليس من خلال الاستئثار أو الاستقطاب أو أنّ يدحض الشخص فكرة الآخر. لم يشأ أي منهما –القديس والسلطان- أن يصبح الآخر على دينه. لربما طلبا ذلك، لكنهما خرجا باحترام كبير. اليوم، في القرن الحادي والعشرين، مع البابا الذي يحمل هذا الاسم –فرنسيس- نحاول أن نعيش بعض القيم التي عاشها القديس فرنسيس قبلنا بـثمانية قرون. نحاول أن نعيش «الأخوّة الإنسانية» التي كانت عنوانًا لوثيقة مشتركة وقّعها كل من البابا فرنسيس وشيخ الأزهر قبل عدّة أشهر في أبوظبي. نقول ذلك، بعد تأسيس اللجنة المنبثقة عن الفاتيكان والأزهر والإمارات، وضمّت عددًا من الشخصيات التي تحاول أن تبث روح «الأخوّة الإنسانية» لكي تتحول الوثيقة إلى مبادرات عملية في عدة أقطار، وفي جهات العالم الأربع. ابتدأت اللجنة أعمالها في الفاتيكان بمشاركة البابا، ومن ثم ذهبت إلى نيويورك حيث تم هنالك أول مؤتمر رسمي بتنظيم من هذه اللجنة. الجديد والجميل في الأمر أنه تمّ إظهار الثمرة الطيبة لزيارة البابا فرنسيس لدولة الإمارات العربية المتحدة، وهي بناء «بيت إبراهيم»، في منطقة السعدات في أبو ظبي، حيث أظهر المجسم الذي يحتوي في ذات المكان كنيسا يهوديا وكنيسة مسيحية وجامعا مسلما، انّ بالامكان تعزيز قيم العيش المشترك من خلال المبادرات الروحية والثقافية والانسانية. هل نحن مقبلون على وجه جديد للحوار ما بين الأديان؟ أظن ذلك، ولكن علينا ان نقتدي بالقديس فرنسيس بألا نركز على الكلمات الرنانة والخطابات المشبعة بالبلاغة والشعر، وإنما على المبادرات العملية، وإن غلفتها أحيانًا البساطة والتواضع، لكنها ستثمر، ولو بعد ثمانية قرون.