موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٢ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٧

الطفل «ايلان» على مدخل «الفاو»

الأب رفعت بدر :

على بوابة منظمة الغذاء والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة في روما، يجثم منذ أسبوع مجسم يمثل الطفل السوري «ايلان الكردي» الذي قضى عام 2015، على 3 ربيعات، غارقا على أحد الشواطئ التركية (بودروم) بعدما كان يحاول الهرب إلى جزر يونانية، في قوارب «الموت» مع عائلته، وإلى جواره مجسم لملاك يشبهه ويجلس إلى جواره ممسكاً بقميصه وباكياً بحرقة كأنه يستصرخ العالم ويستنجد ببقايا الضمير الانسان. وهنا أذكر شخص «موسى» الذي نحته مايكل أنجيلو (1515) ويعتبر من أجمل ما نحتت يداه، ومن اروع المآثر الفنية العالمية، حتى يقال أنه بعد الانتهاء من النحت، صرخ مايكل انجلو في وجه «الشخص» لماذا لا تتحدث إلي؟ وضرب ركبته اليمين بمطرقة وما زالت أثارها إلى اليوم. ومن النحات الايطالي انجلو، الى النحات الايطالي المعاصر لويس بريفيديل Luigi Prevedel الذي استوحى من حادثة الطفل «ايلان»، الصامت والراقد على شواطئ العالم، ابلغ الدروس، فوضع الصرخة على وجه الملاك المستقبل له على بوابة السماء، وكل من يزوره سيسمع بلا شك كلام «الحجارة» المنحوتة والناطقة بالرخام الابيض، وكانّه يقول: «ايها الداخلون من بوابة منظمة الغذاء والزراعة الدولية، أقدم لكم شهيد الجوع الطفل ايلان». والجوع ليس جوع الجسد إلى الخبز والغذاء وإنما جوع البشرية إلى العدالة والأمن، ونقصانهما يجعل الانسان يرتحل ويتيه على طرقات العالم وشواطئه المفزعة. وفي شهر ايلول الماضي، قدّم النحات بريفيديل العمل الجديد لقداسة البابا في الفاتيكان، وبدوره هذا نقله ليكون على بوابة واحدة من أهم المنظمات الدولية المعنية بالشؤون الانسانية. هذا على بوابة المنظمة، أما في داخلها، فكان الأعضاء الدوليون وعددهم 194 حاضرين قبل أيام لاحتفالية خاصة بمناسبة يوم الغذاء العالمي (16 أكتوبر)، حيث استضافوا البابا فرنسيس الملقب «بأب الفقراء»، لالقاء حديث بعنوان «تغيير مستقبل الهجرة، والاستثمار في الأمن الغذائي والتنمية الريفية». ومع تزايد أعداد الذين يتضورون جوعاً في عالم اليوم (أكثر من 190 مليوناً)، تم التركيز على واجب حماية حق جميع البشر بالتغذية بحسب حاجاتهم، مع المشاركة في اتخاذ القرارات التي تغنيهم وفي تحقيق طموحاتهم، وبدون ابتعاد عن أقاربهم. وشدّد البابا الجنوب-اميركي على الربط بين الحروب والجوع، فلا نستطيع أن نحلّ مشكلة الفقر والجوع، بينما لا بنذل جهداً ناجماً لأجل السلام ونزع السلاح. وبرز كذلك تركيز البابا فرنسيس على الاعتناء بالبيئة، حيث هنالك تأثير للتغير المناخي على الجوع. جميل جداً أن يدخل رجل الدين إلى منظمة الغذاء الدولية، وهو لم يأت بإحصائيات وخطط تنموية، ومشاريع اقتصادية، بل كان جلّ اهتمامه، وهو اهتمام البشر من ذوي النوايا الحسنة، على وجه التأكيد، بأن يدخل «فئة الحب إلى لغة التعاون الدولي». أنهى البابا كلامه، وسط تصفيق حار من الحضور المتعدد الجنسيات، أما ايلان، فبقي على البوابة، ليتاح له التكلم كل يوم في المنظمات الدولية، عله والملاك الباكي الى جواره، يعلمان العالم لغة الحب والتلاقي البشري، والتضامن الانساني، وتقاسم الخيرات، والمساواة الاجتماعية.