موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٠ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٠

الحب في زمن الكورونا

الحب في زمن الكورونا، قصص لا بداية لها ولا نهاية.. فلنحيّ الانسانية حين تكون بهذا الجمال!

الحب في زمن الكورونا، قصص لا بداية لها ولا نهاية.. فلنحيّ الانسانية حين تكون بهذا الجمال!

الأب د. رفعــت بدر :

 

ليست المرّة الأولى التي تتعرّض بها الأسرة البشريّة لوباء عالميّ، ولعلّ رواية "الحب في زمن الكوليرا" للكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، تذكير بحقبة بشرية صعبة (بين الأعوام 1885 و1930)، حيث كان داء الكوليرا منتشرًا، بالإضافة إلى داء الانفلونزا الآسيوية (1890) والاسبانيّة (1918). وتتحدّث الرواية حول علاقة حب صامت دام أربعين سنة عند شواطىء البحر الكاريبي، وصمد رغم ما تعرض له من أمواج وصعوبات.

 

وفي القرن الحادي والعشرين، تعيش "الإنسانية جمعاء" فترة وباء عالميّ، ونبحث بين أرقام المصابين والقتلى عن قيم ومظاهر الحب في زمن الكورونا، فنجدها:

 

هي تضحيات أهل المسؤولية الذين تؤرقهم حكمة اتخاذ القرارات المناسبة، وإن كانت أحيانًا قاسيّة.

 

هي الأم التي ولدت طفلتها للحياة في أحد مستشفيات الأردن، وغادرت هي إلى دار البقاء، بسبب اصابتها بالفيروس، بينما بقيت الابنة للحياة. "فما من حب أعظم من حب مَن بذل نفسه في سبيل أحبائه" (السيد المسيح).

 

هي في الكاهن المُسنّ في إيطاليا الذي شاهد شابًا يعاني من ضيق التنفس، فطلب أن يُعطى جهازه الذي تبرعت له رعيته به للشاب، فغادر الكاهن وشفي الشاب.

 

الحب في زمن الكورونا في الزواجات القليلة العدد التي تتمّ في الكنائس، فتتيح للعروسين أن يفكّرا في بناء بيتهم الجديد على صخرة المحبة، بدل التلهّي بالحفلات الباذخة، فتراهما ينظران الواحد في عيني الآخر، ولا يجدان حشدًا كبيرًا حولهما، ولكنهما يشعران بحب كبير في قلبيهما.

 

والحب في زمن الكورونا هو بكاء زوجة وأبناء وبنات على زوجها ووالديهم، فقد أمضى أسبوعين في المستشفى دون زيارته، وفارق الحياة ولا أحد من حوله، ودُفن في المقابر الخاصّة بحضور خفيف، ودون التمكّن من وضع قبلة الوداع على جبينه. قرأتُ يومًا أن أعظم ألم هو أن يغادر شخص العالم دون أن نتمكّن من أن نقول له أننا نحبّه، أو أن يتمكّن هو من قول ذلك لأحبته.

 

والحب في زمن الكورونا صلاة يرفعها المطران أو الكاهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي اصبحت في خدمة الايمان، فيتابعها المُصاب والمخالط في بيته، ويقول الواحد للآخر: "الرب معكم.. ومع روحك أيضًا". وهو مؤمن عابد يضع كمامته ويحمل سجادته راجلاً إلى المسجد نهار الجمعة.

 

والحب في هذا الزمان هو مصاب لا يخالط ذويه خوفًا عليهم، ويقدّمون له الطعام بأوانٍ خاصة، ولكن حتمًا بحبٍ كبير. وهو مواطن صالح، حريص على اتباع إجراءات الوقاية والسلامة كي لا ينقل العدوى إلى مجتمعه، أو لأفراد بيته.

 

والحب في زمن الكورونا في قلوب الممرّضين والممرّضات، وفي صدور الأطباء، الذين هبّوا لمعالجة مرضاهم، فعملوا على شفائهم، وغادروا هم هذه الأرض بأفخم صفة: شهداء.

 

والحب في زمن الكورونا كاريتاس الأردن توزّع المعونات على الفقراء، والأدوية على المرضى في بيوتهم العفيفة. وهو صحفيون يحصلون على تصاريح في أوقات الحظر والإغلاق، تاركين أهل بيوتهم، لكي يغطّوا الأحداث والمؤتمرات الصحفيّة لنقل الحقيقة إلى الناس العطشى.

 

والحب اليوم علماء المختبرات، يسهرون الليل ويمضون النهار، لاكتشاف اللقاح الناجح والدواء الناجع لدحر قوات الداء والوباء.

 

والحب قوات أمنية تعرف كيف تفرض القوانين بحزم، وفي ذات الوقت تعطف على المسنين والمحتاجين في وقت الشدّة والضيق.

 

والحب هو معلّم اشترى جهاز حاسوب جديدًا، وأوصل بيته بشبكة انترنت سريعة على نفقته الخاصّة، من أجل أن يوصل العلم إلى بيوت طلبته. وهو المعلم الذي يسير كيلومترات يوميًا ليوصل الدروس لطلابه الفقراء الذين لا يملكون لا كهرباء ولا انترنت.

 

الحب في زمن الكورونا، قصص لا بداية لها ولا نهاية... فلنحيّ الانسانية حين تكون بهذا الجمال!