موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٢ مارس / آذار ٢٠٢٠

الأحد الثالث من الصوم في زمن كورونا

المطران شوملي مترئسًا القداس الإلهي

المطران شوملي مترئسًا القداس الإلهي

المطران وليم شوملي :

 

فيما يلي النص الكامل للعظة التي ألقاها النائب البطريركي للاتين في الأردن المطران وليم شوملي، خلال قداس الأحد الذي ترأسه في كنيسة العذراء الناصرية في الصويفية، للأحد الثالث من زمن الصوم الأربعيني المقدّس:

 

أيها الاخوة والأخوات،

 

أحييكم وأنتم للمرة الثانية تتابعون القداس من منازلكم صونا لسلامتكم، متمنيا أن تكونوا جميعا بخير، ومصليا للأمهات اللواتي احتفلن الأمس بعيد الأم. لهن كل احترام وتقدير للدور الذي يقمن به داخل العائلة. كما نرسل تحية اعجاب للأجهزة الطبية والأطباء والممرضين والممرضات ووزارة الصحة والأجهزة الأمنية ورئاسة الوزراء. ومن كنيسة العذراء الناصرية في الصويفية نحيي قائد هذا الوطن ونصلي لأجله كي يبقى الاب الحاني على الجميع.

 

لنحاول أن نجد في انجيل هذا الأحد الثالث للصوم ما يغذي عقلنا ويحفّز قلبنا ويعزّز صومنا ويقوي صمودنا في وجه الوباء القتال.

 

يتحدث انجيل اليوم عن امرأة سامرية التقاها يسوع في طريقه من القدس الى الناصرة.

 

والمكان الّذي يحدث هذا فيه هو قرية سيخارة، الواقعة قرب نابلس. هناك يتوقف يسوع. ها هو مُتعب من الرحلة، ويجلس عند حافة بئر، بينما يذهب تلاميذه إلى المدينة لابتياع بعض الطعام (يوحنا 4، 3-8). يلتقي هنا بالمرأة السامرية، ويدخل معها في حوار.

 

 انها امرأة مغرورة بذاتها وبصباها وبجمالها. تزوجت 5 مرات فأصبحت سمعتها سيئة بين أهل قريتها. من حديثها نستشف انها متكبرة ومراوغة وكاذبة. كذبت على يسوع عندما طلب منها أن تدعو زوجها فأجابت: لا زوج لي. صحّحها يسوع وكشف لها حقيقتها ليشعرها بحاجتها الى التوبة والرجوع الى الله.

 

وتتوصل هذه المرأة تدريجياً إلى الإيمان والتوبة. ودليل ذلك إسراعها الى القرية كي تخبر أهلها أنها وجدت في هذا الشخص المسيح مخلص البشرية. وانتقل الايمان الى الاخرين كالنار في الهشيم. وإذا بالناس يدعون يسوع الى قريتهم ليستمعوا اليه ويشفي مرضاهم. وكانت النتيجة أنهم امنوا به. فأكدوا للمرأة الفخورة بذاتها: "لا نؤمن الآن عن قولك، فقد سمعناه نحن وعلمنا أنه مخلص العالم حقا" (يوحنا 4، 41-42).

 

أيها الاخوة والأخوات، إن هذه المرأة التي بحثت عن سعادتها بعيدا عن الله تمثل بشرية اليوم التي ابتعدت عن شريعة الله ولا بد أن تشعر بضعفها حتى تعود اليه. وهذا ما يفعله بنا الوباء المتفشي في العالم والفيروس الصغير الذي لا يرى بالعين المجردة والذي ركّع البشرية المتمردة على أقدامها.

 

نعم البشرية عاشت في الفترة الماضية حالة غرور وظن الانسان أنه وجد سعادته على الأرض. وبدل الاله الواحد أوجد وعبد عدة الهة: إله المال واله الجمال واله المتعة وألّـــــــــــهَ العلم والعقل البشري. وظن أنه لا ينقصه شيء وأنه أوجد لكل داء دواء. اقتحم الفضاء وغزا القمر وهو في طريقه الى الكواكب الأخرى. سخّر طاقة الريح والشمس والماء لصالحه. نجح في عولمة الكون وربطه بوسائل تواصل متعددة نحتار أيا منها نختار للوصول الى شخص ما. اخترع أيضا الانسان الالي والعقل الاصطناعي ويظن أنه سيؤخر الشيخوخة وسيقهر الموت. نعم تكبر الانسان وتجبر ولم يحترم وصايا الخالق في الزواج والجنس والحب. فحلّل ما هو محرّم وحرّم ما هو محلّل. نعم كانت البشرية بحاجة الى هذه الصدمة القوية لتتعرف على ذاتها وتتصالح مع خالقها.

 

فلما ظن الانسان أن قدراته مطلقة ولا حدود لها، جاءته رسالة واضحة تقول له: اذكر يا انسان أنك تراب والى التراب تعود. جاءته رسالة واضحة تقول له: "أنت مخلوق ولست الخالق. أنت المدعي بالسيطرة على مقدرات الكون ها إنك تبحث اليوم بصعوبة بالغة عن كمامات ومعقّمات وأجهزة تنفس في وجه فيروس صغير يتحكم بنا دون أن تتحكم به. أنت يا انسان في قلق ورعب من اللامعلوم! ولكن حينما بجنون العظمة، ويتخيل لك أنك سيد هذا الكون وممسك بكل مقدراته، ولديك الإجابات على كل أسئلته، آنذاك يأتي الوباء دون موعد ليكشف ضعفك وعجزك وهشاشتك".

 

أين الحل إذا؟

 

الحل أن نكتشف ونقرّ بأن مخلص العالم ليس العلم والعقل البشري وحدهما وأن السعادة ليست في الطعام والشراب والمال والقوة. مخلص العالم هو الله وليس الانسان. ودون أن نقلل من الإجراءات الوقائية والحلول الطبيعية وقدرات الانسان العقلية نحن بحاجة الى الله كي نخرج من الأزمة. سلاحنا هو الصلاة. فالرب الذي قهر كل الأمراض وهدأ البحر الهائج وأسكن العاصفة وطرد الشياطين قادر أن يتدخل. وينتظر استغاثتنا لأنه يحترم حريتنا.

 

قال يسوع في الانجيل: اسالوا تعطوا اطلبوا تجدوا اقرعوا يفتح لكم.

 

في هذه الأيام وبينما نحن متواجدون في البيت لدينا متسع من الوقت لنعزز علاقاتنا الأسرية ونكتشف قيمتها. لدينا أيضا متسع من الوقت لنصلي كأفراد وكعائلات. أظن معظمكم يصلي وحده. لكن نحن بحاجة الى صلاة اسرية يومية تُبعد عنا بقدرة الله هذه الافة القتالة وآفات اجتماعية أشد خطرا منها مثل النميمة والكبرياء والحسد والضغينة والانانية والغرور والكذب، وذلك على سبيل الذكر لا  الحصر.

 

اخوتي وأخواتي،

 

بعد أن عاد أهل القرية السامرية الى الايمان، مضى يسوع الى الناصرة. وهناك شفى عن بعد ابن عامل للملك كان يسكن في كفر نحوم. شفاه بكلمة واحدة. نعم الله هو شافي النفوس والأجساد.

 

قرأت بالأمس قصة طبيب إيطالي اكتشف الله مؤخرًا وهو في المستشفى يعالج مرضى الكورونا. يقول: "حتى الأسبوع الماضي كنت ملحدا أنا وزملائي الأطباء. وتعلمنا أن العلم استثنى وجود الله.  وكنت أستهزئ بأهلي الذين كانوا يذهبون الى الكنيسة." ويضيف: "جاء الى المستشفى قبل 9 أيام رجل دين مريض بالكورونا. وفي يده الكتاب المقدس. كان يقرأ منه للمرضى وهو يمسك بأيديهم أثناء نزاعهم. وكنا نحن الأطباء منهكين جدا ولكن معجبين بصبره وحبه للمرضى. تعلمنا منه انه حيث يتوقف جهد الانسان لا غنى لنا عن الله، بل يجب طلب مساعدته. تعلمنا نحن أطباء ذلك المستشفى أن نتكل على الله وأن نأخذ منه القوة للقيام بعملنا الشاق. هذا الرجل توفي بالأمس بسلام بعد أن أعاد الينا سلامنا وايماننا".

 

يضيف الطبيب: "توفي في المستشفى حيث أعمل حتى الان 120 مريضا وكثيرون سيتبعونهم في إيطاليا حيث استفحل المرض، ونحن كذلك اذا بقي الأمر هكذا". ويضيف: "على الأقل أنا سعيد انني وجدت الله الذي سيقويني حتى الرمق الأخير".

 

اخوتي وأخواتي أدعوكم في هذا الزمن الى إعادة اكتشاف الصلاة البيتية ولا سيما صلاة السبحة. في ظرف عصيب كهذا وعندما كانت أوروبا تقاوم الطاعون الأسود، في منتصف القرن الخامس عشر، تمت إضافة جملة لصلاة السلام عليك يا مريم".  يا قديسة مريم، صلي لأجلنا نحن الخطأة، الان وفي ساعة موتنا". وبينما العالم يواجه خطرًا من نوع اخر وقد بلغ الموتى أكثر من 12 ألفًا والمصابون زادوا عن الـ 300000 ألفا، لنصل في بيوتنا حتى يبعد الله عنى شر الآفات والأوبئة.

 

أيها الإخوة والأخوات،

 

أحثكم على ملازمة بيوتكم واتباع تعليمات الجهات الأمنية وأخذ الاحتياطات اللازمة طبيا. فهي لسلامتنا. ولنصل بحرارة عن نيات العالم كلها. لنصل كي يجد العالم الدواء الناجع. ولنصل لأجل المصابين والمخطرين ومن أجل الطواقم الطبية والأجهزة الأمنية وكل من يعمل لصالحنا بينما نحن نقيم في بيوتنا امنين.

 

أخوتي نتعلم من المرأة السامرية أن الخلاص هو من عند الله ويأتي هذا الفيروس الصغير ليذكر الانسان بهشاشته وضعفه وحاجته الى الشفاء الروحي قبل الجسدي. والشافي أولا وأخيرا هو الله. آمين