موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٤ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٤

«السلام عليكم.. وبخاطركم».. 60 عامًا على زيارة البابا بولس السادس

البابا بولس السادس أمام نهر الأردن

البابا بولس السادس أمام نهر الأردن

الأب رفعت بدر :

 

تمرّ هذه الأيام الذكرى الستون لأوّل زيارة بابويّة خارج الحدود الإيطاليّة، حيث حطّت طائرة البابا بولس السادس في الرابع من كانون الثاني في عام 1964 في مطار ماركا، واستقبله الملك الحسين بن طلال، رحمه الله، بكل ما يليق بضيف الأردن الكبير.

 

كما كان جلالته، رحمه الله، على رأس مودعي قداسته في السادس من الشهر عينه، وقدّم للبابا شجرة زيتون كعرفان للصداقة بين الحاضرة الفاتيكانيّة والمملكة الهاشميّة، وما زالت مزروعة وطيبة الثمار في حدائق الفاتيكان.

 

أما برنامج الزيارة آنذاك فاشتمل بعد اللقاءات الرسميّة مع جلالة الملك، التنقّل بسيارة قدّمها جلالته خصيصًا للضيف الحاج بولس السادس، وتنقّل بها إلى نهر الأردن، حيث كان المغطس، مرورًا بأريحا إلى القدس، حيث صلّى في جبل الزيتون وكنيسة القيامة، ثم توجّه إلى الناصرة، في مكان بشارة العذراء من الملاك جبرائيل، وعاد إلى بيت لحم ليحتفل بعيد الغطاس في ذلك العام. ومن مطار ماركا عاد إلى الفاتيكان.

 

وهنا ما زال كبار السن يتذكّرون تلك الزيارة بفرح وفخر كبيرين، ويتذكّرون كيف كان الطقس شديد البرودة، لكن ذلك لم يمنعهم من أن يكوّنوا أفواجًا بشريّة على طرفي الطرق موصولة بين الأردن وفلسطين قبل ثلاث سنوات من احتلالها.

 

إنّ رسالة بولس السادس كانت وما زالت كبيرة الدلالات ذلك أنّها شرّعت الأبواب للزيارات البابويّة، ليس فقط إلى بلادنا وإنمّا إلى العالم بأجمعه، وذلك لأنّها كانت الزيارة الأولى لحبر أعظم خارج إيطاليا، حيث كان يعتبر مقيمًا دائمًا في داخل أسوار الفاتيكان، وخرج بحالات نادرة إلى إيطاليا.

 

نستذكر اليوم هذه الزيارة بعد أن جاء إلينا البابا فرنسيس قبل عشر سنوات، استذكارًا لليوبيل الذهبي (50 عامًا) على هذه الزيارة، وجاء قبله البابا بندكتس السادس عشر عام 2009، والبابا يوحنا بولس الثاني عام 2000، وجميعهم جاؤوا في عهد الملك المعزز عبدالله الثاني ابن الحسين وابي الحسين، ليكون أول زعيم في العالم يستقبل ثلاثة بابوات في عهده السلامي المديد. وسار ضيوفنا الثلاثة على نفس الخطى لبولس السادس، حيث كان البدء دائمًا من الأردن، ثم فلسطين، لتشكّل الزيارة "رحلة حج رسوليّة إلى الأرض المقدّسة"، ممّا يجعلنا نفخر بأنّنا أبناء هذه الأرض المقدّسة، وندعو الجميع لزيارتها من كلّ أنحاء العالم. وجدير بالذكر أن بابوين من الأربعة قد أصبحا قديسَين: أي يوحنا بولس الثاني وبولس السادس. ومن حسن الطالع أن تأتي ذكرى اليوبيل الماسي، مع ذكرى مرور ثلاثين عامًا على إنشاء العلاقات الدبلوماسيّة الرسميّة، بين الكرسي الرسولي والعرش الهاشمي عام 1994، أي في عهد الملك الباني نفسه الحسين بن طلال.

 

ومن المؤلم، من جهة أخرى، أن تحلّ احتفالات اليوبيل الماسي، فيما تعاني غزة وفلسطين من المآسي، وتتراجع أعداد الحجاج إلى بلادنا المقدّسة كنتيجة طبيعية للعدوان على غزة. ونرجو هنا أن تستمرّ صلوات المؤمنين هنا بالتشابك مع صلوات الحجاج في العالم لنهاية وشيكة ليس فقط للعدوان الحالي، وإنما للإحتلال كله، فتعود أفواج الحجاج تخاطبنا بلغة عربيّة، مثلما خاطبنا البابا بولس السادس: "السلام عليكم" في بدء زيارته قبل ستين عامًا، و"بخاطركم" في نهايتها.