موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١١ مايو / أيار ٢٠٢٣

«الجريمة والعقاب» في مجتمعنا العزيز

علينا حماية حياة الإنسان برسم استراتيجية وطنية كبيرة

علينا حماية حياة الإنسان برسم استراتيجية وطنية كبيرة

الاب رفعت بدر :

 

الجريمة والعقاب، عنوان رواية ذات غوص في النفس البشرية، كتبها المبدع الروسي دوستويفسكي عام 1866، ولاقت شهرة واسعة وترجمت إلى عدة لغات، لما لدى الكاتب من تحليل لنفسية الشخص الذي يقدم على جريمة ويعيش خائفًا مذعورًا، إلى أن يذهب ويعترف بجريمته لدى الجهات الأمنيّة، التي تحكم عليه بالأشغال الشاقة.

 

عادت أحداثها إلى ذاكرتي، وأنا أقرأ التقرير الإحصائي الجنائي الصادر عن مديرية الأمن العام، حول العنف في مجتمعنا الأردني الكريم، وبعيدًا عن أحداث العنف في الجامعات أو في الشوارع، والتي باتت أيضًا مقلقة نظرًا لسرعة تجاوب أبناء العشيرة مع ابنهم «البطل» ظالمًا أو مظلومًا. لكن الأرقام حول الجريمة والانتحار العام الماضي 2022 مقلقة جدًا ولعلها ناقوس خطر بات يُدق في مجتمعنا الكريم.

 

فالعام الماضي ذهب 119 شخصًا ضحية للإجرام سواء في المنزل أو في مكان العمل أو بأي مكان آخر. وفي المقابل هنالك 137 حالة انتحار. نحن يا أخوتي لا نتكلم عن أرقام، إنها نفوس - حياة بشرية، ذهبت ضحية القتل والجريمة التي بتنا نسمع عنها، مع كل أسف، يوميًا.

 

ما الذي حدث ليتغيّر مجتمعنا بهذه السرعة؟

 

هنالك طبعًا عدة أسباب، وليس أولها الضائقة الاقتصادية التي يمر بها الكثير من البشر، وهنالك العنف لأسباب أخلاقيّة، بعدما كنا نسميه في الماضي: جرائم الشرف. لكن الشرف يأبى أن يجتمع مع الجريمة. وهنالك نقص في التربية الدينية السليمة التي تنظر إلى حياة الإنسان بأنها أمر مقدّس، وتدعو الأديان إلى احترام كرامة الإنسان وحياته وحرياته.

 

ولكن بالنظر إلى الواقع، أرى بأنّ المشكلة بالإضافة إلى ما سبق قد تكون عائدة لأمرين: الأول هو الإعلام الذي يبيّن العنف أمرًا عاديًا، فبالإضافة إلى أخبار العنف والحروب، هنالك أفلام العنف التي تمطرنا بها القنوات العالمية مثل نيتفلكس وغيرها وهي من أخطر ما يحشو به المرء –وبخاصة في مراحل الطفولة– دماغه فمعظم الأفلام عنيفة وتسيل فيها دماء رخيصة، حيث يذهب «البطل» إلى عملية قتل بسيطة، ثم يعود ليستحم ويتناول عشاءه بكل أريحية. والى الأفلام تضاف الألعاب الإلكترونية الجهنمية العنيفة التي يدمن عليها الشاب فتصبح مع مرور الزمن، مع الانتحار، ثقافة عادية ويومية.

 

أما السبب الثاني فهو المخدرات التي تفشت في مجتمعنا بشكل مرعب، وقد شاركت لعدة مرات بندوات وورشات عمل في إدارة مكافحة المخدرات، ووجدت في المتحف الموجود كيف «يختلق» العقل البشري الشرير أساليب «مبتكرة» لتهريب المخدرات، بكل أسلوب لا يخطر على ذهن الإنسان السليم. فتخيلوا تهريبًا في داخل جلد الخروف بعد أن سلخ المهربون جلده ثم عادوا وألصقوه مع الحبوب المخدرة. وهنالك أنواع من هذه تجعل الإنسان يرى في أهل بيته أعداء، فيسهل عليه، لا بل يصبح لديه «واجبًا» قتلهم بدم بارد.

 

أحيي الجهود الأمنية في التعامل مع الحالات العنيفة، وأحيي مديرية الأمن العام الذي شاركت معها قبل أيام بالملتقى الأمني «لا للعنف المجتمعي». لكن الأمور تجعلنا ندرك الآن –الآن وليس غدًا- أن الأمر أصبح يقضِ مضاجعنا، ولا يمكن التسليم بانّه أمر واقع وعادي. فحياة الإنسان مهددة، وعلينا حمايتها برسم استراتيجية وطنية كبيرة، تدعو الى احترام حياة الانسان، وتنبذ قتل الآخرين بالجريمة باشكالها المتعددة، ومنها قتل النفس بالانتحار، وتأتي صدى للوصية الخامسة من الوصايا العشر: لا تقتل.